2008 يبدو الحديث عن سياسات مختلفة للولايات المتحدة تجاه العالم
والمنطقة وقضاياها بصورة خاصة أمراً سابقاً لأوانه وضرباً من التكهن وخداع النفس, ولا سيما أن الشعارات التي رفعت وخيضت على أرضيتها المعركة الانتخابية, قد حسمت مسبقاً وصادرت أي مسحة تفاؤل بإمكانية حدوث تحول, أو إصلاح ذات البين وردم الهوة الواسعة ما بين الأحادية القطبية المحكومة بالغطرسة ونزعة التفوق والسيطرة والتسلط والهيمنة, وبين العالم المضطرب الباحث عن الاستقرار والأمن والسلام.
صحيح أن لا أحد يجادل في واقع أن الكثيرين يعتبرون الفوز الذي أصاب حملة العودة للبيت الأبيض, قد جاء بمثابة توكيد وضوء أخضر يطلق يدي جورج بوش في نهجه المتشدد, وتفويض بإبقاء أميركا في حالة مواجهة مع العالم لأربع سنوات أخرى قادمة, وباستمرارية السياسات الخارجية المتبعة تلك القائمة على الحروب الاستباقية ومبدأ التدخل, والغوص أكثر في المستنقعين العراقي والأفغاني, والتورط في شؤون المنطقة وفي قضية الصراع العربي- الصهيوني وفق المعطيات القائمة, واستمرارية المواقف والسياسات المشهود لها بقصر النظر والانحياز المطلق إلى جانب إسرائيل والخروج السافر على الشرعية الدولية وقراراتها, بكل ما يستتبعه ذلك من إغراق للمنطقة في الفوضى والحرائق والدم وعدم الاستقرار, لكن ذلك لا يعني ركوب الرأس ومواصلة العناد ولا يبرر ولا يعطي تحت أي ظرف مشروعية الاستمرار بهذه السياسة والاستقواء بها.
فواشنطن لم تبد أية رغبة ومن أي نوع للاستماع لآراء ونصائح الآخرين, والتراجع عن الأخطاء القاتلة التي طبعت ولا تزال الفترة الرئاسية الأولى, واختارت الالتصاق بإسرائيل ومشروعها التوراتي, وتقديم أشكال الدعم والتغطية لحرب شارون التصفوية المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني معنية بحكم الموقع والمسؤولية أدبياً وأخلاقياً وقانونياً وأكثر من أي وقت مضى, بتصحيح هذه السياسة والمواقف وإعادة بناء جسور الثقة مع العالم, ومع هذا الجزء المتفجر منه على قاعدة الحوار والتعاون والتكافؤ والاحترام المتبادل وعدم التدخل, وإرساء دعائم السلام والأمن والاستقرار بالمرجعية التي نصت عليها قرارات الشرعية الدولية.
من الضروري والمهم ونحن نسوق حقائق هي للتاريخ وللناس وبرسم الشعب الأميركي المغرر به, والمدعو للإحاطة بها ومعرفة مدى ما ألحقته سياسة بلاده والإدارة الحالية على وجه الخصوص, من أذى بهذه المنطقة والثلاثمائة مليون من أبنائها, وتسببت به من آلام وكوارث مست بهيبة أميركا ومصالحها ومصداقيتها كقوة عظمى, ولامست حتى الداخل والشارع الأميركي نفسه, أن ندعو وبقلب وعقل مفتوح شأننا شأن المجتمع الدولي كلة الرئيس بوش لفتح صفحة جديدة من التعاون المثمر والبناء من أجل تحقيق عالم أكثر عدلاً وديمقراطية وأمناً, وأن تكون الشرعية الدولية ومبدأ الحق والعدل الرائد لأي جهد أو مسعى في اتجاه تحقيق السلام العادل والشامل.
لقد طفح الكيل هنا جراء ممارسات إسرائيل وإرهابها الدموي المتمادي الممعن في قتل البشر والحجر, ومن حقنا أن نطالب بسياسة أميركية متوازنة ومنطقة متحررة ومتحللة من التبعية لتل أبيب والانخراط في مخططاتها ومشاريعها, تلك التي ترى في ذبح العرب وإبادتهم وإلغائهم بيد حكامها وجنرالاتها, أو بالواسطة على النمط الجاري في الأرض المحتلة وبالصورة الجماعية الحاصلة بالتوازي في العراق حياة لها ولعقيدتها الشوفينية.