وخاصة في مجال المحاصيل والمنتجات التي حققنا فيها وفرة في الإنتاج, كما هو الحال في محاصيل التفاح والحمضيات والعنب والبندورة, حيث يعاني المنتجون من مشكلة التسويق وتدني الأسعار التي تصل أحياناً إلى أقل من التكلفة..
فأسعار الحمضيات متدنية قياساً بالتكلفة, أو يباع الكيلو غرام منها بسعر وصل إلى خمس ليرات, أما التفاح فقد كانت أسعاره أيضاً متدنية إذ وصل ثمن الكيلو غرام إلى ست ليرات لبعض الأصناف, وكذلك العنب والبندورة, فقد تكدس الإنتاج أمام معامل الكونسروة ومعامل عصر العنب, إضافة إلى إغراق السوق بكميات كبيرة من هذه المنتجات.
إن تحقيق الوفرة في إنتاج السلع الزراعية وتأمين حاجة الاستهلاك وتصدير جزء من الفائض عملية مريحة ويجب أن تنعكس لمصلحة المستهلك ولمصلحة الاقتصاد الوطني, لكن هل تنعكس وفرة الإنتاج فعلاً على المنتجين والمستهلكين وعلى مجمل الاقتصاد الوطني?!.
بالطبع إن أي سلعة ننتجها محلياً بكميات تسد حاجة السوق توفر علينا مبالغ بالعملات الصعبة كنا سندفعها ثمناً لاستيراد هذه السلعة, وأي كميات فائضة يتم تصديرها ستؤمن عائدات مالية بالعملات الصعبة تنعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.
لكن أين موقع المنتجين في هذه المعادلة, وأين موقع المستهلكين فيها أيضاً, وهل تنعكس وفرة الإنتاج على هاتين الحلقتين الأولى والأخيرة?!.
ومن خلال معاينة الواقع والاطلاع ميدانياً على الأسواق, سواء كانت أسواق جملة أم أسواق بيع المفرق, فكيلو التفاح الذي يباع بسعر الجملة ب¯15 ليرة مثلا, نقوم بشرائه من باعة المفرق ب¯ 35 ليرة, أي أن الفارق بين السعرين هو 20 ليرة, فأين يذهب هذا الفارق ولجيوب من?!.
طبعاً السؤال إجابته معروفة, فهذا الفارق الكبير يذهب إلى جيوب التجار في الحلقات المختلفة ودون أي عناء يذكر أو مخاطرة, بينما يتحمل المنتج مخاطر الإنتاج من ظروف جوية وتكلفة إنتاج مرتفعة قد تصل أحياناً إلى الخسارة.
هذا الواقع نعاني منه ونعيشه منذ سنوات, ولا نزال حتى الآن دون أن نتمكن من إيجاد حلول منصفة للمنتجين من جهة وللمستهلكين من جهة أخرى, فهاتان الحلقتان هما الأضعف في سلسلة العملية الإنتاجية وهما اللتان تدفعان الثمن..
فالمستهلك من حقه أن يحصل على سلعة بسعر معقول بعيداً عن السعر المبالغ به, كما أنه من حق المنتج أن يبيع إنتاجه بسعر يحقق له ربحاً معقولاً وإلا لن يستمر في الإنتاج إذا بقيت الأسعار كما هي عليه..
أما التصدير فيبدو أننا لم نفلح حتى الآن في حل هذا اللغز المحير, مع أن حله لدى الآخرين أصبح سهلاً وعادياً, في حين ما زلنا نحن نبحث عن الحل!!.
فرغم وفرة الإنتاج لدينا ما زال حجم التصدير متواضعاً لأسباب عديدة لا نستطيع التفصيل فيها في هذه الزاوية!!.
وحتى لو تمكنا من حل لغز التصدير وزيادة حجم الكميات المصدرة فلن تذهب عائداته إلى المنتجين لأن الجهة التي تصدر ليس لها علاقة بالإنتاج.
وحتى نصل إلى حل لغز التصدير, هل يظل المنتجون يعانون من مشكلة التسويق والأسعار, وتبقى عملية الإنتاج الزراعي في مأزق حرج لا بد من الخروج منه حتى لا نخسر موقعنا على خارطة الإنتاج الزراعي الوفير, خاصة وأننا مقبلون على تحديات المنافسة الحادة القادمة إلينا من الخارج..