فمن فرنسا إلى تركيا إلى اسبانيا مروراً بجامعة الدول العربية وحكوماتها، ساد الاستهجان والتهكم والاستغراب إزاء المفارقة الصارخة التي عبرت عنها العقوبات ،والتي انطوت بعض أسبابها على مسألة حقوق الإنسان ، في الوقت الذي تغرق فيه الإدارتان الأميركية والبريطانية في فضيحة العصر، فضيحة المعاملة البشعة والمشينة للسجناء والمعتقلين والأسرى العراقيين المجرّدين حتى من ثيابهم..
فالتقارير التي تواترت عقب كشف النقاب عن الفضيحة تشير إلى أمرين مهمين:
أولهما... أن وزارة الدفاع الأميركية على علم مسبق بما جرى ويجري في أقبية سجن أبو غريب منذ أكثر من ستة أشهر، وقد غضّت الطرف عمداً في إيماءة واضحة للاستمرار بهذا الأسلوب الجرائمي في التعامل مع هؤلاء البشر.
وثانيهما ...أن أكثر من 90% من المعتقلين اعتقلوا خطأ، وعوقبوا خطأ ومورست ضدهم أبشع أساليب التعذيب عمداً وبغطاء سياسي من البنتاغون وزعمائه.
فهل يحق لإدارة كهذه تتَّبع هذه الأساليب المتعمّدة مع الإصرار والترصد الحديث عن حقوق الإنسان في أي بقعة من بقاع العالم..؟
والأغرب أن تعتبر واشنطن اتفاقاً شاملاً متكافئاً أخوياً بين بلدين عربيين شقيقين لا مسافة تذكر بين عاصمتيهماأمراً مرفوضاً ،فيما تشرّع قطع آلاف الكيلومترات وجر أكبر قوة عسكرية في العالم لتحتل العراق، وتنهب ثروته وتدمر شعبه وتعذب بنيه بمختلف أنواع التعذيب تعتبره أمراً مقبولاً ومسوّغاً، وعلى دول العالم كله قبوله بلا استنكار.
أي قِيَم يحملُها رسلُ العدوان ومندوبو التناقضات ومسوقو السياسات الرعناء..؟
وأي مفاهيم تلك التي يحملون، ومع ذلك يبحثون عن سبل تحسين صورتهم البشعة أمام الرأي العام العربي..والعالمي،الذي تسهم فيه »للأسف الشديد« العديد من وسائل الإعلام العربية والناطقة بها بشكل أو بآخر.
أما عن الاستثمارات والديون والأرصدة فلا نعرف مستثمراً ولا شركات استثمارية أميركية منذ عقود،ولا نحن دولة مدينة للولايات المتحدة ولا لغيرها من الدول ،ولا أرصدة لنا تذكر في بنوكهم،و للحقيقة فإن رصيدنا هو الأسباب التي ساقتها إدارة الرئيس بوش بفرض ما تسميه العقوبات ، فيما رصيدنا الغني الذي به نعتز ونفاخر هو شعبنا الواسع وحقنا الساطع،وهذا ما لا تستطيع صقور الإدارة الأميركية تجميد مشاعره أو تقييد حركته التاريخية، فهذا هو الرصيد الأهم لسورية في عمق وتلاحم شعبها مع أربع جنبات الوطن العربي، الذي أجمع على رفض العقوبات والتنديد بها، وإسقاط الأهداف الصهيونية الكامنة وراءها وأمامها وما بين السطور...