ومع ذلك وبعد ذلك فإن العامل الأهم في هذا التداعي الدولي والإقليمي الخطير هو الإيمان المطلق بقدرة البقاء التي تمتلكها شعوب المنطقة المستمدة من إيمانها بحقها وبالوطن، وبالقيادة السياسية التي اجتازت قطوع الزمن بنجاح وثبات وإصرار على نيل الحق، واتباع الحقيقة في مواجهة التحولات وتوظيف ما يمكن توظيفه من ناتج التحولات على سلبيتها لخدمة قضية الشعب والوطن .. والأمة.
هكذا كان الحديث الشامل الذي أدلى به السيد الرئيس بشار الأسد إلى قناة »الجزيرة« دقيقاً .. واسعاً .. تناول فيه مختلف شؤون وشجون الأمة مع رؤية متفائلة بالمستقبل تعتمد في لحمتها وسداها الشعب باعتباره الأساس لرسم التوجهات وصنع المعجزات .. وتجاوز المحن والوصول إلى النتائج المرجوة والمأمولة على الرغم من سوداوية الصورة التي نجترح منها الأبيض ونبني رؤيتنا عليه، سواء ما يتصل بالوضع الإقليمي .. أو العربي .. أو حتى المحلي فهذا يبني لذاك، وذاك يشهق بناؤه على دعائم هذا في صيرورة قومية متكاملة أساسهاالإيمان بالحق .. وبالقدرة على انتزاعه مهما اشتدت الظروف وقست .. فنصف الكأس مملوء .. وعلينا أن نملأ النصف الآخر..
لقد أجمع المراقبون خلال اليومين الماضيين اللذين أعقبا الحديث الشامل على أن أبرز سمات هذا الحديث هي الحكمة والعقلانية والعمق، وهي السمات الأحوج للخطاب السياسي العربي في هذه الظروف الدقيقة والحرجة التي تمر بها المنطقة العربية، وأبرزها تداعيات ما يجري في فلسطين والعراق.
لقد أكد الرئيس الأسد في حديثه الثوابت الوطنية والقومية لسورية لا بل للعرب، والتي أصبحت راسخة في ذهن الصديق و العدو على السواء، باعتبارها حقائق فرضت نفسها عند التعامل معها من قبل الغير أياً كان موقعه، وأياً كانت مسؤوليته إقليمياً أم دولياً.. وقد أثبتت الأحداث الجسيمة والضغوط الكثيرة التي حدثت أو مورست أن سورية منيعة وصلبة، وفي الوقت نفسه تؤمن بالحوار العقلاني والموضوعي المستند إلى حقائق المنطقة وثوابتها وحقوقها المشروعة، وإرادتها الراسخة في الحق والعدل والانفتاح أيضاً..
وإذا كانت الدول تكبر بمدى استقلالية قرارها الوطني وبإنجازاتها على مختلف الصعد، فإن سورية تمتلك مقومات الكِبرَ ومستلزمات الحضور الواسع على الصعيد القومي كما على الصعيد الدولي.
في حديث السيد الرئيس إجابات واضحة ومحددة تحيط بالتساؤلات العريضة التي تشغل بال الشارع العربي، وإجابات أعرض تعبر بوضوح عن نبض وهموم المواطن العربي على خلفية واقع عربي مهزوز .. مهدد تتقاذفه الأمواج المتلاطمة، وتظلله ضبابية المواقف في عرض الوطن العربي وطوله .. فضلاً عن قصور الرؤية عند الكثيرين..
لهذا فالحديث الشامل جاء في زمانه ومكانه، فهو في هذه الظروف يعتبر دليل عمل للمتفائلين في مستقبل الأمة ولجماهيرها الواسعة يبعث في أوصالها الأمل، ويُخرجها من التيارات التي تتقاذف أبناءها إلى وضع يستطيع فيه تثبيت الأقدام عند المواقف، والنظر إلى المستقبل بتفاؤل قومي اتسم به حديث السيد الرئيس ورؤيته الثابتة للمستقبل، وقراءته المتأنية للأحداث والإحساس المسبق بنتائجها في براعة سياسية أكد عليها المتابعون والمراقبون وردود الأفعال التي صدرت حتى الآن.
فالمبادىء والقيم والمثل التي نؤمن بها ونتمثلها والتي ساقها السيد الرئيس في حديثه تنسجم مع روح العصر ولا تتناقض معه .. هكذا عرفتنا البشرية أمة تؤمن بالعدل وتعمل من أجل الحق علناً وبالصوت المسموع والفم الملآن، وكان عملنا بمقدار إيماننا بالحق الذي ننشده وكنا مع أنفسنا صادقين ومع غيرنا أصدق، ولهذا انتزعت سورية احترام العالم وتقديره معاً، ألم نكن الذين على أساس علومنا وحضارتنا بنيت علوم الآخرين وحضارتهم؟..
فأمة هذه خصائصها، وهذه سماتها لا تخشى المحن ولا تفقد الإرادة، تلك الإرادة التي تحدث عنها السيد الرئيس والتي لو توفّر بعضها في هذا الظرف العصيب الذي تمر به الأمة، لاستطاعت الإقلاع على النحو الذي يتطلع إليه الشعب العربي الواسع الذي تابع الحديث على الشاشات، وكأنه يهتدي الى الطريق الصحيح ويستنير بالضوء القادم من النفق العربي والدولي المظلم، »أدعو إلى التفاؤل مهما كانت الصورة سوداء« هكذا قال السيد الرئيس .. ألم يكن التفاؤل ميزان الشعب على الدوام؟.