| هل الواقعية تناقض التاريخ?! محطة على التهكم المرير والسخرية الشديدة من الذين (يجرؤون) على قراءة الأحداث بصورة شاملة, تربط الوقائع والتحركات ببعضها منطقياً, وتبحث في الأسباب الحقيقية الكامنة خلف المتغيرات والجهات المستفيدة منها. لأن هذا المنهج التحليلي في رأي الفئة المتعالمة, المدعيّة , سيقود إلى تفسير الأمور وفق (نظرية المؤامرة), وهي أطروحة غير واقعية, هدفها إبعاد الأنظار عن عناصر التأثير والفعل وردّ الفعل, والتهرب من تحديد المسؤوليات في هذا الحدث أو ذاك. وإذا سلّمنا بعدم صحّة المؤامرات والخطط وألاعيب السياسة ومكرها, فهل يمكن واقعياً استبعاد المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستراتيجية في العلاقات الدولية, منذ مئات السنين إلى اليوم?!... وهل بنيت هذه العلاقات بشكل واضح ودقيق ومتكافئ?!.. وهل غابت عنها الصفقات السرية والتحالفات المعلنة وغير المعلنة?!... وإذا كانت الأخلاق هي السائدة في التعاملات الدولية, فلماذا لا يكشف النقاب عن آلاف الوثائق المحفوظة في عواصم الدول الاستعمارية منذ عقود طويلة, حتى أن بعضها يعود الى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, اللذين شهدا أكبر حركة لاستعمار آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية?!.. بل كيف حصل الاستعمار نفسه, وبأي أساليب, وكم كان حجم الدمار العالمي الذي قام به, والجرائم البشرية الهائلة, التي اقترفها للوصول إلى مآربه الخاصة!!. مشكلة الفئة الغارقة في انفتاحها على الفكر الليبرالي الغربي وفلسفته النفعية, أنها تحاول أن تغطي الحقائق والوقائع الرهيبة, التي اعترف ويعترف بها أصحابها مباشرة أو مواربة, سواء في مذكراتهم, أم في نشر بعض الوثائق بين الفينة والأخرى بأسلوب تدرجي مقنن (لا يثير الصدمة.. والمتاعب). ووجه الغرابة هنا أن الفئة المتعولمة والمتأمركة تبدي جهلاً مخزياً في التاريخ ومجرياته... والقوى والشخصيات, التي أدت مهمات وأدواراً سرّية خطيرة في إطار (لعبة الشطرنج الكبرى) (على مستوى العالم), حيث كان بعضها لاعباً أساسياً ومحورياً (وقد تقتضي الخطة أن يكون متخفياً وغير معروف), وكان بعضها الآخر مجرّد (أحجار) أو (بياذق) على رقعة الشطرنج. وإذا كان من غير المطلوب أن يكون كلّ مثقف مؤرخاً أو متخصصاً في العلاقات الدولية, وقضايا نشوء الأمم والدول, إلا أنه من غير الجائز أن يتفاخر بعض المثقفين بجهلهم, أو يكتفون بالسخرية من(المعتقدين بنظرية المؤامرة وتفسيراتها الساذجة)!!. ولا ندري فعلاً, إن كان هؤلاء (الليبراليون الجدد) قد اطلعوا على تاريخ (تأسيس الأمة الأمريكية) لكونهم من المهووسين ب (الأنموذج الأمريكي), الذي أصبحت الولايات المتحدة بموجبه أكبر قوة في عالمنا المعاصر, استناداً إلى ابتكار أساليب متجددة في التطور الرأسمالي, والنهب, وتصدير الفكر الليبرالي, والعولمة, والقتل الجماعي و (الحروب الاستباقية) في آسيا وأفريقيا ومناطق أخرى من العالم?!. أسئلة لاتطرح هنا من فراغ أو لإثارة حوارات ومناقشات في إطار (العصف الفكري), بل انها نابعة من جوهر المشكلات, التي لا بدّ أن يكون للمثقفين العرب رؤية واضحة وحاسمة بشأنها. Kh@Khalaf-aljarad.com
|
|