والامتحان بكل تأكيد ليس قراءة ومذاكرة فقط كما يفهم منه، فكل أمر نواجهه ويحتاج منا عملاً أو إجابة هو امتحان، وعلى هذا فحيواتنا كلها امتحانات، بعضها أشبه بمذاكرة عابرة صغيرة، وبعضها الآخر أقرب إلى الامتحان الجوهري الذي يؤسس للكثير فيما بعد.
ومن الطبيعي أن تكون المحن والمصائب والتحولات الكبرى التي نمر بها محك ذلك، فما من شعب من شعوب الأرض إلا ومرّ بمثل ما نحن فيه، وكشفت محنه جوهر ما عليه المجتمع من قيم سلبية أو إيجابية، بغض النظر عن صحة السلبي قيمة، لكن سياق الحديث يحتاج ذلك، ومن باب التذكير ومن عوالم الفضاء الأزرق الذي نضخ فيه الكثير الكثير، ومن يقرأ ما نكتبه سوف يسأل بكل جدية: إذا كنا جميعنا على هذه الدرجة العالية من القيم والأخلاق، والأمانة، فمن أين ياتي هذا الكم الهائل من الفساد ؟
سؤال لابدّ من طرحه، فعلاً من أين يأتي الفاسدون والعائثون تخريباً بكل شيء، وهل علينا أن نكون أكثر صراحة ونقول بصوت عال: اقتدوا بأقوالنا لا بأفعالنا، المهم من هذا العالم المترامي قرأت فيما معناه أن ألمانية كانت تقف بدورها للصعود إلى الحافلة فجاء من تجاوزها، وكان ذلك بعيد الحرب العالمية الثانية بقليل، فقالت له: لقد خسرنا الحرب وهزمنا، ولكن هل خسرنا الأخلاق والالتزام بالنظام ..؟
بالتأكيد، لم يخسروها في بلدانهم أبداً، ولو خسروها كما خسرنا لتغيرت مجريات كثيرة، نحن نربح حرباً على الظلم والعدوان بدماء شهدائنا، وحيث تقع أقدام أبطالنا تخضل الأرض وتعطي، ولكن للأسف الشديد، نربح معارك كبرى ونخسر في معارك مجموعها يعني كارثة في القيم والتربية والأخلاق والتكافل الاجتماعي.
في العالم كله، ثمة تكافل حقيقي يكون وقت المحن، إلا عندنا، نحن في حيرة من أمرنا حقيقة أثرياء الحرب من تجار وغيرهم كدسوا المليارات، وكل ساعة ثمة أفواه فاغرة تريد أن تبتلع كل شيء، مليارات ومليارات صارت في حساباتهم، والفم المغارة مفتوح كما الوحوش الكاسرة، وما الذي يشبعهم ...؟
ومن هذا الفضاء الأزرق أيضاً ما كتبه أحدهم، أنه دخل متجراً بدولة أوروبية وأراد شراء نوع من المنتجات فوجد البائعة وضعته بمكانين مختلفين، سألها: ما الفارق بينهما ؟ أجابت: لاشيء، أبداً، لكن أمس ارتفع سعره وكان لدي كمية قديمة فوضعت تسعيرة القديم عليه كما هي، وسعرت كما جاءت الزيادة، ويضيف: قلت لها، سوف يشترون القديم كله كما كان بسعره، فردت هذا حقهم، ومن باب التذاكي عليها كما يقول أقترح عليها أن تضع الكميتين معاً وترفع السعر، فنظرت إليه مندهشة وبلهجة حاسمة كما كتب سألته: أأنت لص؟
عندما تنتهي الكمية القديمة يرتفع السعر تلقائياً، ترى كم من اللصوص بيننا ومعنا، وكم وكم، هل نسأل أكثر، أليس من يفعل ما اقترحه هذا العربي على من يقول إنها كافرة لصاً، أليس لصاً من يفعل ذلك ومن يساهم معه ويتستر عليه، كفانا كذباً على أنفسنا يجب أن نواجه الواقع بشجاعة ونقول: ننتصر بدماء شهدائنا، ونهزم بجشع وطمع وفساد الكثيرين منا، ولكن دمنا سوف ينتصر ولكن هل يسأل الكثيرون أنفسهم: هل نحن لصوص ..؟