حياة تدور في رحى الأسى والفقدان منذ تسع سنوات تماماً، هي سنوات عجاف بكل ما للكلمة من معنى، فارقنا أحبابنا وفارقنا وطننا ونحن نعيش فيه، وفارقنا قيمنا التي هي أساس هويتنا.
وكأننا نفارق أنفسنا.
لم يكن ينقص الشعوب سوى الكورونا.. لتستدل على خراب هذا العالم المادي الذي يلهث وراء الثروة عبر القتل والجريمة وتطويع كل شيء لتكديس المال والسلاح والاستعباد، ضارباً عرض الحائط بكل القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية.
ولم يكن ينقص العالم سوى (ترامب) ليؤكد أن أميركا بلا أخلاق ولا قيم.. وهي مستعدة لتدمير الكرة الأرضية دون رحمة من أجل رفاهيتها وحدها.. وما يتحدثون عنه في وسائل إعلامهم عن مناصرة الحرية والديمقراطية والرفاهية ليس سوى كذبة مفضوحة، واليوم تأتي الكورونا لتفضح ترامب الذي يحاول إيجاد لقاح للشعب الأميركي فقط ومن بعده الطوفان، فماذا يحمل هذا الأميركي العجوز في رأسه الضخم من مخططات خراب بعد؟.
لكن السؤال الذي لا نجد له جواباً شافياً هو: لماذا لا تتحد شعوب العالم التي تخضعها أميركا لمصالحها ولخدمة مخططاتها وتفرض عليها العقوبات وتمنع عنها الأدوية والأغذية والبناء.. لماذا لا تنتفض هذه الدول - بما فيها الدول الأوربية المرغمة على تبعيتها لأميركا - وتقف في وجه هذا البلد المتجبر الذي يحاصر العالم؟
هل جاء فيروس الكورونا القاتل، وبهذه السرعة المخيفة ليقول للعالم المتحضر كله (ها أنتم عاجزون، خائفون.. فأروني ماذا ينفع سلاحكم النووي وصواريخكم العابرة للقارات؟).
وربما (ومن مبدأ الإيمان والتسليم بقضاء الله) قد جاء هذا الفيروس ليثبت بأن بني البشر ضعفاء مهما تكبروا وتجبروا.. فهل يتعظ الفاسدون والمرتكبون وقتلة شعوب الأرض بأن كل أموالهم وقصورهم لن تستطيع الصمود في وجه عدو لا يرى، ولا يمكن حصره أو تصويب النار عليه، كما لا يمكن تهديده ببلطجية بعض المرتكبين الذين يعيثون فساداً ويحللون أرزاق الناس وأرواح الناس.
وكما ينبغي.. وكما هو الواجب يملي علينا.. سنظل في موقع الأمل والصبر.. وخاصة أن الحرب التي أكملت عامها التاسع ودخلت في العاشر، علمتنا الصبر وأعطتنا الخبرة الكافية لنقاوم كل الأعداء.. واليوم لدينا عدو جديد إضافة إلى أردوغان والصهاينة وترامب ومخططات الرجعية العربية، وكتب التطرف والقتل، لدينا الكورونا والحصار، لكننا سنقاوم وسننتصر وسنمسك بالضوء القادم عبر منافذ الصمود التي يحرسها شباب سورية.. شباب المستقبل والمجد التليد.
................................
وعلى الرغم من العدو الجديد (الكورونا) وبالرغم من القرارات الصارمة بالابتعاد عن الآخر وعدم التجمع والحرص على عدم لمس الأشياء دون تعقيم، إلا أنها فاجأته بسؤالها حين فتحت له الباب (أين الورد؟).
هي التي كانت تتلقى منه وردة كل صباح أثناء عودته من عمله الليلي، وكانت الوردة مسروقة من حدائق الجيران أو من الياسمين المتدلي على الأسوار العالية، سنوات وهو يحرص على هذه العادة الجميلة.. لكنه اليوم قرر التوقف بسب الكورونا حرصاً على حبيبته، مع ذلك شعر بغصة في القلب، فقال مبرراً.
علينا أن نعلم أننا مجبرون على تغيير الكثير من عاداتنا وعلى ضبط مشاعرنا ومنعها من التأجج والشوق، إنها الكورونا يا عزيزتي التي ستغيرنا وستغير الكثير من أحلامنا.
طفرت دمعة المرأة فوقف الرجل حائراً بينما كان صوت رصاص بعيد يدويّ في جهة ما، ربما ليقتل إنساناً ما، بينما كل رصاص العالم لا يستطيع أن يقتل (كورونا واحدة)
ثم ماذا بعد؟
كتبت اليوم هذا السؤال على غبش النافذة التي تطل على شارع ساكن، تعبره سيارات قليلة، وبعض النساء الذاهبات إلى البقال،
لم يكن هناك أطفال ولا حافلة حضانة، ولا شبان يحملون الورود إلى حبيباتهم.
همست بأسى.. إنها الحرب من جديد، وا أسفاه.