تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بلاد القانطين

منوعات
الأحد 2/9/2007
الكاتب الكبير زكريا تامر

أشجار وأنهار

ولولت الزوجة الصبية عندما مات ابنها الرضيع الوحيد, وزغردت بعد أيام قليلة عندما مات زوجها الشاب, فاستهجن الزوج المسجى في نعشه سلوك زوجته, ووصفها بأنها الشجرة الغبية التي تهجو نهراً رواها بمائه طوال سنين, ولكن فرح الزوجة كان أقوى مما يحتمله جسمها, فأدى إلى موتها, ودفنت في قبر ملاصق لقبر زوجها, وتلاقى الزوج والزوجة ثانية في دنيا المقابر, فلم يعاتبها الزوج واكتفى بالحملقة إليها بوجوم بينما كانت الزوجة تبحث عن أسلوب يميت زوجها مرة أخرى وببطء.‏

أبناء الأم‏

طالب رجل امرأته بألا تتكلم منوهاً بمحاسن الصمت, فأطاعت المرأة ولم تعد تتكلم, فسر الرجل بطاعتها, وسر أكثر عندما أنجبت المرأة العديد من الأبناء الذكور, ولم تنجب إناثاً, ولكنه لم يسر بذلك الصمت الذي لا يفارق أبناءه, ولم يقل له أي واحد منهم : بابا.‏

ممنوع النسيان‏

نسي رجل من الرجال اسمه ومهنته وعنوان بيته, فقصد مخفر الشرطة, وأعلم رجاله بما جرى له طالباً العون منهم, وتوقع أن يحال إلى محقق أو طبيب, ولكنه فوجىء برجال الشرطة يطوقونه وينهالون عليه بركلاتهم ولطماتهم وصفعاتهم ولكماتهم متذرعين بأن من ينسى اسمه وبيته وعمله, لا بد من أنه قد نسي أيضاً أن له حكومة لا نظير لها, فتمرغ الرجل على الأرض متوجعاً من دون صوت, وصاح فجأة مدعياً أنه قد استعاد ذاكرته المفقودة, وتذكر اسمه وبيته وعمله وزوجته القبيحة الطويلة اللسان, وتذكر أيضاً أن له حكومة لا شبيه لها, فلم يتوقف رجال الشرطة عن ضربه, فصرخ بعد لحظات أنه قد تذكر أيضاً أن له رجال شرطة لا مثيل لهم, فتضاءل الضرب قليلاً, ولكنه لم يتوقف بحجة أن من يخطىء ينبغي له ألا يفلت من عقاب يستحقه.‏

آخر الدروس‏

نظرت المعلمة إلى ساعة معصمها, وقالت لتلميذاتها : لم ينته الوقت بعد, وما تبقى سنقضيه في التكلم عن الحرية.‏

وطلبت المعلمة من كل تلميذة من تلميذاتها أن تتحدث عن الحرية وما تعرفه عنها وعن الناس الأحرار.‏

قالت التلميذة الأولى : أمي هي الحرية تمشي على قدمين, تفعل كل ما تشاء, وتوهم أبي أنه حر يفعل كل ما يشاء.‏

وقالت التلميذة الثانية : معلوماتي عن الحرية مستمدة مما أسمعه عنها من أبي الذي يقسم أن الناس سيموتون وتصبح عظامهم غباراً من دون أن تزورهم الحرية يوماً.‏

وقالت التلميذة الثالثة : الغراب في رأيي هو خير من يمارس الحرية الحقيقية, فهو ينعب ساعة يشاء نعيباً يخلو من أي مديح أو رياء أو دعاية.‏

وقالت التلميذة الرابعة : أنا ولله الحمد لست بالمغرورة, ولكني مضطرة إلى الزعم أني حرة, ففي البيت آكل طعامي مستخدمة أصابع يديّ أو آكله مستخدمة الملعقة والشوكة والسكين.‏

وقالت التلميذة الخامسة : من يطمح إلى معرفة الحرية والأحرار ينبغي له مراقبة البحر.‏

وقالت التلميذة السادسة : الحرية ليس لها وجود إلا في عالم الحيوان, ومن المؤكد أنها غير موجودة في عالم البشر, وقد اخترعها بعض الفلاسفة الخياليين, وهي في الحقيقة ليست سوى كلمة تتألف من أربعة أحرف.‏

فتثاءبت المعلمة, وقالت لتلميذاتها : من المؤسف أن الوقت المحدد للدرس قد انتهى الآن, وسنتابع غداً الحديث عن الحرية, وسيأتي دوري لأقول رأيي في الحرية وفي كل ما سمعته منكن.‏

ولم تبر المعلمة بوعدها إذ لم تأت إلى المدرسة في اليوم التالي ولا في أي يوم آخر, وعُثر عليها بعد أيام في حقل قريب من المدينة مذبوحة ومغتصبة.‏

سننام‏

أمر الحاكم الناس الذين يهيمن عليهم بأن يناموا, فنام الناس نوماً عميقاً طويلاً, وعندما اجتاح البلاد جيش من الغرباء المسلحين بأحدث الأسلحة, أمر الحاكم الناس النيام بالاستيقاظ فوراً, فلم يكترثوا لأمره, واستمروا في النوم, فغضب الحاكم, وأمر حراسه باستخدام أشرس ما لديهم من قوة لإرغام الناس على نبذ النوم, فسارع الحراس إلى تنفيذ أمره, وبوغتوا بأن الناس كانوا موتى وليسوا نياماً.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 02/09/2007 08:17

*لاتكون الزوجة أو المرأة أو حواء شجرة غبية تهجو الزوج أو الرجل أو آدم إلا إن تقاعس الذكر عن القيام بدوره في التكامل مع الأنثى فيشجعها من حيث يدري أو لايدري لتلعب دور فرعون ولو بغفلة, ثم إن الزوج في هذه الفقرة جعله الكاتب شابا أي لم تمر عليه السنون الطوال حتى يروي بمائه زوجته الصبية. *بالطبع من لايرضع من أمه حليب الأسرة قد لاير في أباه كلمة بابا. *بالطبع الرجل الذي يعيش بهكذا بيئة فإن الشرطة لن تعاقبه بالضرب لأنه ينسى, بل قد تشجعه أن يتناسى أيضا. *بالطبع في الدرس بين معلمة وتلميذات, لايمكن للصغار أن يتحدثوا عن الحرية هكذا. *بالطبع عامة الناس تنام طويلا على تفرد حاكمها, لكنها حتما لاتموت, فمثلا شعبنا العراقي لم ينصر حاكمه المتفرد عندما غدرت به أمريكا المستعمره, لكن طيفا من الشعب هب يقاوم الإحتلال, ومن يقاوم لايكون ميتا, وإلا ماكان حال أمريكا في العراق كماهو عليه الآن, فإذا كنا نصر في سرد المقالة الأدبية على الإستعارة والرمز فعلى الأقل لايكون ذلك مغايرا للواقع المعاش.

هدى العظم |    | 03/09/2007 03:01

الله الله على هذه الصور الرائعة وهذا الاسلوب الخيالي الذي لم ينطلق من فراغ ولكن من واقع يرفضه الشريف ويتمرد عليه بأي طريقة يستطيع حتى ولو بالحلم ..... موضوع في قمة الذكاء والكمال ... لاغبار عليه أبدا ... مقالاتك أستاذنا من أهضم المقالات وأروع الافكار ... إنها السهل الممتنع الذي يفتح لنا الآفاق للخيال و ما وراء الخيال ..... شكرا على هذا المقال الذي يشرب كما يقال حتى مع الماء العكرة لبساطته وليس لسهولته ..... ودمتم بخير

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 زكريا تامر
زكريا تامر

القراءات: 14084
القراءات: 7872
القراءات: 7622
القراءات: 9474
القراءات: 8744
القراءات: 8854
القراءات: 8466
القراءات: 11749
القراءات: 8418
القراءات: 7958
القراءات: 9006
القراءات: 9290
القراءات: 8024
القراءات: 7553
القراءات: 9595
القراءات: 8526
القراءات: 8597
القراءات: 9354
القراءات: 11280
القراءات: 7735
القراءات: 7743
القراءات: 11541
القراءات: 7834
القراءات: 7522

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية