مع أن الأصمعي كان يقول يجب على الطالب أن يكون متفوقاً في البكالوريا ليدخل دار المعلمين ، لا أن ينجح على الحفة كما يقولون ليخرّج طلاباً على الحفة ويصبح الجيل كله على حفة الجهل .
والتشكيك في قدرة الأصمعي من قبلنا جعله يبذل الكثير من الجهد حتى أصبح واحداً من أهم رجال عصره . ولهذا عهد إليه الرشيد بتعليم ابنيه وأوصاه ألا يدللهما وأن يوقفهما على بابه ليدركا أهمية المعلم ورهبته ، وأن يعنفهما إذا لزم الأمر .
وذات مرة كان الرشيد خارجاً من شقته ويهم بركوب سيارته ؛ وإذ بالأمين والمأمون يتسابقان لتقريب نعلي الأصمعي وإلباسه إياهما .
سأله الرشيد : من أعز الناس أيها الأصمعي ؟
الأصمعي : ومن أعز منك يا أمير المؤمنين ؟
الرشيد : أعز الناس من يتسابق وليّا عهدي لإلباسه نعله .
لم يصل إلينا إذا كان الأصمعي يعطيهما دروساً خاصة بسبب تردي المدارس ، وكم كان يتقاضى على الساعة . لكن المؤكد أن المؤدب كان يأتي في المرتبة الثانية بعد الخلفاء ووزرائهم . وكم من عالم خرج على الخليفة وانضم إلى معارضيه ، وحين قبض عليه الخليفة عفا عنه مقابل أن يعلّم أولاده . تصوروا أن يسلم الحاكم أولاده لمعارض له ! هذا يؤكد أن هناك شرف المهنة والعلم الذي لا يسمح لصاحبه باستغلاله .
مدخل إعلاء التعليم يبدأ من إعلاء العلامات التي تؤهل الطالب ليدخل دار المعلمين ، ومن ثم إعلاء مستوى كرامته من خلال رفع مستواه المادي وحمايته من الزعران الذين يستغلون منع الضرب ليضربوا بالمعلم والتعليم عرض الحائط .
وللمعنيين نقول : مثلما المطر الجيد والحراثة الجيدة تنبت زرعاً جيداً . فالمعلم الجيد والشروط الجيدة تنبت المعرفة في عقول الطلاب ، ومن ثم تنبت جيلاً مثمراً فمجتمعاً فاعلاً .
ولبعض المعلمين نقول : إذا كان وضعكم ليس جيداً فلا يعني أن تضعوا ضمائركم في الثلاجة ريثما تتحسن الأمور . وللجميع كل عام وتمنياتنا لكم ..