تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شوك أخضر

منوعات
الاحد 14/1/2007
زكريا تامر

نبوءات حسني البورظان

هجر حسني البورظان التمثيل والكتابة المرحة بعد موته, ولكنه نال بين أصدقائه الموتى شهرة مدوية بوصفه أصدق من تنبأ.‏

وفي ليلة من الليالي الموحشة المضجرة , تحلق الموتى حول حسني البورظان, وطلبوا منه أن يحدثهم عن نبوءاته لما سيحدث لهم في الأيام الآتية, فتأملهم ملياً وباستغراب كأنه لم يرهم من قبل, وقال لهم :سيأتيكم عما قريب ثلج أسود وورد أسود وضحك أسود.‏

سترغبون في لمس زوجاتكم اللمس البريء الأخوي, فلا تظفرون بما رغبتم فيه إلا بعد أن تصبحوا راشين وزوجاتكم مرتشيات.‏

ستهمون بذبح الخراف, فيقبض عليكم بتهمة أنكم إرهابيون سفاحون قتلة, وتحالون إلى محكمة دولية خرافها قضاة قساة صارمون.‏

ستتسولون في أرجاء الكرة الأرضية حفاةً, فلا تنالون إلا الهزء والشتم والطرد والركل.‏

ستؤلفون جيوشاً تحارب بأسلحة من غبار, وتتباهى كتبكم المدرسية بانتصاراتكم التاريخية.‏

ستبنون مدارس تتحوّل سجوناً, وتنشئون حدائق تتحوّل ساحات للإعدام.‏

ستطلبون العلم ولو في الصين, فيُسخر من جهلكم بوصفكم من بقايا الشيوعية الآفلة.‏

ستتوسلون بأصوت منتحبة إلى سياط تلاحق ظهوركم, ولكن السياط ستكون صماء.‏

ستُمنحون الإنترنت ليل نهار مجانياً, فتستخدمونه للتباري في الهراء وبناء القلاع الشامخة للتفاهة الأصيلة.‏

ستحاولون زيارة القطر الشقيق لبنان, وستباغتون بأن العلم المتطور نجح في نقله إلى الأراضي الأميركية, وأُلصق بها مزغرداً بالفرنسية والإنكليزية.‏

ستأكلون الخبز اليابس وحده طوال سبع سنوات, وعندما يتاح لكم الخبز الطازج ستكتشفون خلو أفواهكم من الأسنان والأضراس.‏

ستركعون حامدين الله حمداً كثيراً لأن الولايات المتحدة الأميركية حالفها التوفيق في صنع قنابل ذكية تقذفها الطائرات فوق المدن, فلا تصيب إلا الارهابي والمآذن.‏

ستصابون بأمراض مهلكة مجهولة, وستعلمون بعد وفاتكم أنها لم تكن سوى مساعدة من الدول المتحضرة إلى الشعوب المتخلفة.‏

ستهبون الدول الكبرى نفطكم كله مجاناً, فترغمون أيضاً على دفع أجور شحنه إلى موانئها.‏

ستؤلفون كتباً يأبى القراء مسّها, وترفض الفئران قرضها.‏

ستنتشر بينكم أغنيات تميت القلوب وتحرك الأقدام.‏

ستركضون في الصحارى, تطاردون غزالاً اسمه الحرية مطلوباً القبض عليه حياً أو ميتاً, وستقبضون عليه ميتاً.‏

وتعب حسني البورظان من الحكي, فسكت متوقعاً أن يسمع من أصدقائه الموتى صيحات الاستحسان والإعجاب, ولكنه لم يسمع غير صيحات حانقة تسخر من أحمق يتنبأ للموتى كأنهم ما زالوا أحياء يدبون على الأرض العربية.‏

من كل شيء نوعان‏

الأنهار نوعان, أنهار من ماء تسير إلى أمام, وأنهار من بشر تهرول إلى وراء إذعاناً لمشيئة من إذا أمروا أطيعوا, ومن يعصاهم هو من الهالكين.‏

الليالي نوعان, ليال لنوم الناس, وليال لنوم الضمير, ونوم الضمير بات صفة للأذكياء وفق المعايير الحديثة.‏

الكلاب نوعان, كلاب تنبح منبهة إلى جوعها أو إلى متسلل غريب, وكلاب تنبح معتقدة أن نباحها برهان على أنه آن للمغنين والمغنيات أن يتواروا خجلاً.‏

الكتب نوعان, كتب ترشد إلى الدواء, وكتب هي الداء والوباء.‏

الأسواق نوعان, أسواق تباع فيها السلع الضرورية والسلع الكمالية, وأسواق يباع فيها الإنسان بأساليب متقدمة, فالرقيق محظور قانونياً, واختفت أصفاده لتحلّ محلها أصفاد أخرى أبشع وأقسى وغير مرئية, وتسمى أحياناً بالفقر والخوف.‏

الكلام نوعان, كلام صادق يجلب الهوان لصاحبه, وكلام منافق يتيح لصاحبه امتلاك الثروات واحتلال كراسي المناصب, والكلام المنافق هو الرائج والمطلوب.‏

استقلال البلدان نوعان, استقلال يطرد الأجنبي كي يبني الوطن ويطور المواطن, واستقلال يرغم المواطنين على الحنين إلى أيام الاحتلال والمحتلين.‏

الحمير نوعان, حمير تعرف أنها حمير, فتحمل الأثقال, وتكتفي بالنهيق صابرة, وحمير تدعي أنها قادرة على الطيران, ومن المؤكد أنها ستطير أفضل من العصافير الدورية إذا كانت مدعومة من قبل قوى دولية.‏

البطون نوعان, بطون يشبعها القليل من القوت, وبطون تظل جائعة مهما أكلت, وستطالب بالمزيد حتى ولو التهمت الكرة الأرضية وما على سطحها.‏

الناس نوعان, ناس ينظرون إلى الأقدام على أنها وسيلة للتنقل من مكان إلى مكان, وناس يؤمنون بأن لا مهمة للأقدام إلا القفز من عتبة مسؤول إلى عتبة مسؤول.‏

التقاعد المنشود‏

عندما أخفق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب في التجديد لرئاسته الثانية, أعلن أنه سيخصص أوقات فراغه لرعاية أحفاده وصيد السمك, فماذا سيفعل بعض الزعماء العرب في أوقات فراغهم لو قرروا التقاعد?‏

الزعيم الأول : اشتهر إبان حكمه بحبه للزواج المؤقت, ولكنه بعد أن يبتعد عن الحكم لن يتاح له إلا الزواج الدائم, وسينام في المحاكم الشرعية.‏

الزعيم الثاني : اعتاد ذبح الناس, ولن يستطيع ممارسة ما اعتاده بعد تركه كرسي الحكم, ولا مفر له من تبديد أوقات فراغه في ذبح الدجاج ولو أن نشوته ستكون أقل.‏

الزعيم الثالث : لن يشكو من أي فراغ, فكل ما يملكه من وقت لن يكفي لإحصاء ما نهب من أموال.‏

الزعيم الرابع : لما كان محباً للإدلاء بالتصريحات الصحفية المتتالية عن محاسنه ومحاسن عهده, فسيقضي أوقات فراغه بائعاً متجولاً للخضراوات لا يكف عن الصياح معلناً عن محاسن ما لديه من خضراوات.‏

الزعيم الخامس : كان من مدمني التلفزيون أيام كان حاكماً, ويهوى الظهور على شاشته حتى ولو كان ينظف أسنانه, ولذا فسيقضي كل أوقات فراغه في غرفة يصممها بنفسه, وستكون جدرانها وسقفها وأرضها مرايا مضخمة يبدو فيها الصرصار كركدناً.‏

الزعيم السادس : إنه أمين نزيه, وسيحاول أن يعيد لكل ذي حق حقه, فلحمه الكثير الذي تكوّن في أثناء فترة حكمه سيحاول التخلص منه منعاً للقيل والقال, وسيقضي أوقات فراغه في المصحات الأوربية المختصة بالتنحيف.‏

الزعيم السابع : كانت هوايته أيام حكمه مطاردة الغزلان في الصحارى وصيدها, ولن تختلف هوايته حين يترك كراسي الحكم, ولكنه لن يصيد في الصحارى, وسيختار باريس, فغزلانها أجمل, والصيد فيها أسهل وأمتع, ويحتاج إلى مال طائل موجود بكثرة بغير جهد.‏

ومن المستحسن المسارعة إلى التنبيه إلى أن كل هذه التخيلات والتوقعات حول الزعماء العرب وأوقات فراغهم في أيام تقاعدهم لا داعي إليها, فشعارهم معروف لا يتبدل : الحكم أو القبر.‏

نحن بخير‏

نحن بخير , وكل شيء على ما يرام.‏

أبناؤنا في المدارس يتدربون على الملاكمة والمصارعة, ويتعلمون ما ينقصهم من السباب الجديد المبتكر, وزوجاتنا في البيوت يتثاءبن ضجرات, والضجر في الحكايات من صفات الملوك, ومحطاتنا التلفزيونية ترثي لنا, وتعاملنا كأننا هاربون من مستشفيات المجانين, وتعامل أطفالنا كأنهم مؤهلون لأن يصبحوا في المستقبل قتلة أو لصوصاً أو خونة لأوطانهم, وراقصاتنا فاضلات لا غاية لهن غير الترويج للأخلاق الحميدة.‏

نحن بخير, وكل شيء على ما يرام.‏

محامينا ضعيف الذاكرة, ينسى في قاعة المحكمة أنه محامينا, ويعمل بحماسة وتفان بوصفه محامي خصمنا, وطبيبنا وديع رحيم, يداوي مرضاه كأنه يبارز عدواً لا بد من إهلاكه, فلا ينجح في قهر المرض, ولكنه ينجح في قهر المريض, وجريدتنا حريصة على إرضاء القوي غير عابئة بالضعيف الأعزل, ولا لوم عليها.‏

نحن بخير, وكل شيء على ما يرام.‏

حريتنا مؤدبة مهذبة ذات أجنحة تساعدها على الفرار والاختباء, وجيشنا جاثم على حدود البلاد فقط, وشرطتنا راقية متمدنة تعتقل البريء, ومن يوفق في اعتقال البريء سيوفق يوماً في اعتقال المذنب, وقاضينا ليس ببغاء أو طاووساً, وسحبنا تمطر ما نشاء يوم نشاء.‏

نحن بخير, وكل شيء على ما يرام.‏

شوارعنا بهجة للمبصرين والعميان, وكتابنا أوفياء مخلصون يزدرون المال والجاه والشهرة والخلود, وحقولنا خضر صفر سود, وإذاعاتنا أقسمت ألا تقول إلا الصدق, وتبرّ بقسمها.‏

نحن بخير, وكل شيء على ما يرام.‏

عيوننا ترى ولا ترى.. ترى الإبرة ولا ترى المئذنة, وآذاننا تسمع ولا تسمع .. تسمع دبيب النمل ولا تسمع زمجرة الوحوش الهاجمة علينا, وألسنتنا تتكلم ولا تتكلم .. تتكلم في اليوم الأبيض ولا تتكلم في اليوم الأسود, والأيام السود أكثر من الأيام البيض.‏

تعليقات الزوار

الكوافيلي  |  obaly1@hotmail.com | 14/01/2007 11:44

ايه واللة

أيمن الدالاتي |  dalatione@hotmail.com | 14/01/2007 13:11

عذرا من الكاتب لاأرى شخصية حسني البورظان وتخيلات الكاتب على لسانه تصلح للواقع المعاش.

مرهف فياض  |  mahte@hotmail.com | 15/01/2007 17:05

مقال رائع... وشخصية حسني البورظان اليوم هي خير من يعبر عن الواقع السوري.. صدقوني ياشباب نهاد قلعي كان فيلسوف مو بس مجرد ممثل كوميدي... وكاتب من وزن زكريا تامر خير من يقرأ شخصية كشخصية حسيني البورظان الساخرة... الفكهة!

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 زكريا تامر
زكريا تامر

القراءات: 14083
القراءات: 7871
القراءات: 7622
القراءات: 9474
القراءات: 8744
القراءات: 8853
القراءات: 8466
القراءات: 11749
القراءات: 8418
القراءات: 7958
القراءات: 9006
القراءات: 9290
القراءات: 8024
القراءات: 7553
القراءات: 9595
القراءات: 8526
القراءات: 8597
القراءات: 9354
القراءات: 11280
القراءات: 7735
القراءات: 7743
القراءات: 11541
القراءات: 7834
القراءات: 7522

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية