التقيته قبل يومين بمحض المصادفة. سألني: أين هذه الغيبة؟
قلت له: نكاية بالشغل والتعب والواجبات الاجتماعية أمضيت عطلة العيد كلها على شاطئ البحر في منطقة الرائد العربي.
فاندفع يمتدح المنطقة بكل ما أوتي من حنكة، ومن جملة كلامه قال إن طريق الرائد العربي هو أجمل طريق في سورية كلها، فهو مشجر على الطرفين، والبرودة شعاره طيلة أيام الصيف.
قلت له: ولكن أصحاب شقق الاصطياف الخاصة التي يتجاوز عددها ثمانمئة شقة يشتكون من ضيق هذا الطريق و...
قاطعني قائلاً: غلط يا أستاذ بالعكس، وأنا لو كنت رئيساً لبلدية «برج القصب» التي يتبع الطريق لها، لجعلته أضيق قليلاً مما هو عليه بنصف متر على الأقل!
قلت: أرى أنك بدأت تخلط.
قال: افتح عينيك مثل الأطباق، أنا لا أخلط. وبرأيي أن ضيق الطريق له عدة فوائد، منها أن العائد بسيارته من المنتجع سيضطر للوقوف الكامل حينما يلتقي بسيارة قادمة، وبـذلك يرى السياح بعضهم بعضاً،- كما يقول عباقرة النحو- عن كثب! وإذا سرق أحد ما شيئاً من إحدى الشقق وأراد أن يهرب بسيارته فلا شك أنه سيضطر للتوقف أكثر من مرة، وبذلك يسهل القبض عليه! وإذا كان القادم إلى المنتجعات أو الآيب منها مستعجلاً والتقى بسيارة معاكسة تراه ينزل بعجلتي سيارته اليمينيتين على (الباكيت)، ويصبح أرض السيارة على احتكاك مباشر بالزفت، فإذا لم ينبعج (كرتير) الزيت بسبب هذا الاحتكاك العنيف يطمئن الرجل إلى أن سيارته متينة لم يضربه بها تجار السيارات (كمّاً) مرتّباً.. كذلك يوجد إلى جانبي الطريق الكثير من قصب الزل، وحينما تتلاقى سيارتان في هذه الزنقة تتكسر أعواد الزل وتعلق بالسيارة، وهذا له فائدة كبرى، وهي أن العائد من هناك يقول لأهله:
أنا كنت أصيف في الرائد العربي.
فإذا شككوا بصحة كلامه يريهم أعواد الزل العالقة بالسيارة.. فيصدقونه!
حينما انتهى أبو الجود من (وصلة الخلط) الطويلة هذه سألته:
- وما رأيك بالخدمات التي تقدمها الجهات المسؤولة لهذه المنطقة؟
هنا ظهر على حقيقته وضحك قائلاً:
- خدمات؟ من كل عقلك تتحدث عن خدمات تقدمها الجهات المعنية لهذه المنطقة؟ إن الخدمات هناك في الحقيقة (صفر على الشمال).. واعلم أن أصحاب الشقق لا يزعلون من ذلك، ولكن الذي (يشق) الإنسان من الغيظ، هو أن الجهات المعنية تمنعهم من تقديم أي تحسينات في المنطقة، مع أنهم يريدون أن يجروا هذه التحسينات على حسابهم الشخصي.. فتأمل رعاك الله!