التي تسطرها او تنفذها الجهات المعنية بالرقابة على انتاج او بيع المواد الاستهلاكية المختلفة في المدن السورية الكبرى , حتى ان هذه الاعداد تبلغ خانة عشرات الآلاف في نهاية العام , كما في العام 2006 , وهذه الاعداد موثقة لدينا كما لدى تلك الجهات على حد سواء , وقد بلغ الامر بالبعض من العاملين في تلك الجهات , الى استخدامها للدلالة على نشاط وحيوية اجهزة الرقابة والمتابعة , وفات هذا البعض انها ايضا مؤشر غير مباشر على اشياء اخرى سنأتي الى الكلام عنها لاحقا !
فإذا كانت المخالفات والاغلاقات وحالات الغش التي يتم ضبطها .. هي بعشرات الآلاف , فكم عدد تلك التي لم تطالها عين الرقابة والمتابعة , والكل يعلم ان الرقابة متواضعة وعاجزة الى حد كبير , وكم عدد المخالفات وحالات الغش التي تفادت الضبط او الاغلاق بالرشوة او بالواسطة , والكل يعلم ان حبلي الرشوة والواسطة جراران , وكم عدد المخالفات التي ترتكب يوميا في كل مكان من بلدنا , ويغض الناس النظر عنها كسبا لوقتهم وهدوء بالهم تحت عنوان .. منو لله ??
فإذا اضفنا هذه المخالفات غير المضبوطة , الى تلك التي يجري ضبطها وتوثيقها ونشرها , فسيكون الرقم بمئات الآلاف على الاقل , وهذا مؤشر , فضلا عن خطورته الاقتصادية والاستهلاكية على المجتمع برمته , يحمل وجها آخر للخطورة والدلالة معا , اعتقد انه الاخطر والاسوأ على الاطلاق !
إنه ببساطة , الوجه الاخلاقي والقيمي للمخالفة بحد ذاتها , فإذا كان مفهوم المخالفة يعني انحرافا فرديا محدودا عن الأعراف والقوانين العامة , وإذا كان لمثل هذا الانحراف , رغم فرديته , ان يطال بالسوء والضرر المتعمد عددا كبيرا من الناس, فما هو حجم الانحراف حين يعد بمئات الآلاف , وماهو حجم السوء والضرر اللذين يحلان بالناس بسبب هذه الانحرافات التي تكاد ان تكون جماعية ومستشرية ??
بالطبع , لاأقصد اية إشارة مباشرة او غير مباشرة الى نقد الجهات المعنية بالرقابة او اتهامها بالتقصير او الاهمال وذلك لسبب بسيط , هو انني اعتقد ان ليس ثمة حكومة في العالم كانت او يمكن ان تكون , تستطيع ضبط هذا الطيف الواسع من المخالفة التي تستند في تفسيرها الى مايسمى ) الشطارة او تدبير الراس او ضربة المعلم او غيرها ) , الطيف الذي بات يمكن ان نصادفة في كل زمان وفي كل مكان على مدار حياتنا اليومية !
اعتقد ان ثمة ازمة اخلاقية تتخفى داخل وفي محتوى كل مخالفة ترتكب , وهي اخلاقية بامتياز لأن المخالفات غدت بهذا الحجم والاتساع , ولأنها لم تعد تنضوي تحت تفسير الانحراف الفردي المحدود عن الاعراف والقوانين , وبعد ان صار عدم الانحراف هو الفردي والمحدود في السائد من العرف العام ???