فحسب تقديرات رسمية تأمل الحكومة الصينية أن يحافظ الاستهلاك الداخلي على نسبة معقولة من النمو لا تقل عن 8%, وعلى الرغم من أن هذه النسبة هي أقل من معدل النمو المحقق في العام الماضي والتي بلغت 11%, إلا أن الحكومة الصينية لم تكن ترغب بأن يواصل الاقتصاد الصيني نموه المرتفع جداً خوفاً من التضخم, ومن وصوله إلى درجة الإشباع في فترة قصيرة, الأمر الذي يعني أنه يعود ليتراجع بقوة ويؤدي إلى سلسلة كبيرة من المشكلات, وكانت الحكومة الصينية تعمل في السنوات الماضية بين فترة وأخرى من أجل كبح النمو ليتراوح عند معدل 8% . هكذا يبدو أن معدل نمو عند حدود 8% لا يتعارض مع السياسة الرسمية الصينية سواء كانت هناك أزمة يواجهها الاقتصاد العالمي أم لا؟ وبالتالي فإن الأزمة الاقتصادية العالمية, قد تكون فرصة للصين لضبط النمو المرتفع الذي كان يثير القلق لديها من تداعياته السلبية.وتعتقد الحكومة الصينية أن المعدل المستهدف من شأنه أن يخلق ما يكفي من فرص العمل القادرة على استيعاب قوة العمل المتزايدة, لتدارك ارتفاع نسبة البطالة وتسببها بأزمة اجتماعية.
ويبدو أن الصين تراهن للإفلات من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على العوامل التالية: أولاً: ضخامة وسعة السوق الصينية, فقد أشارت تقارير نشرت مؤخراً عن وكالات السيارات, وهي أكثر الصناعات المتضررة في الأزمة الاقتصادية الحالية,أن السيارات تسجل نسب مبيعات معقولة, حيث بدت الصين وكأنها تبحر بعيداً عن مرافئ الركود الذي يخيم الآن على الأسواق العالمية, كما يقول أحد المحللين الغربيين. ثانياً: الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية في محاولة منها لامتصاص التداعيات السلبية على الاقتصاد. وتتراوح هذه الإجراءات بين وضع خطة, وصفت بأنها قياسية, لتنشيط الاقتصاد بعد أن تم تخصيص 600 مليار دولار لإنفاقها على مشاريع بناء البنية التحتية, مثل الطرق والجسور والأحياء السكنية, ومحطات توليد الطاقة, والرهان معقود على أن يؤدي الإنفاق على البنية التحتية إلى تعزيز الطلب في بعض الصناعات الأساسية كالفولاذ والإسمنت, إضافةً إلى تنشيط العمالة في قطاع المقاولات. وتشمل أيضاً إجراءات الحكومة الصينية لتحفيز الاقتصاد, زيادة الأجور, وخفض الضرائب على القطاع العقاري, وتخفيضات في أسعار عدد من السلع المعمرة مثل الثلاجات والهواتف النقالة وأجهزة التلفزيون. وبديهي أن هذه الصناعات, إضافةً إلى صناعة الفولاذ والإسمنت, من شأنها أن تحد من احتمال ركود هذه الصناعات وتعوض عن خسائر التصدير, خاصةً أن فعالية هذه الإجراءات في دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار و300 مليون نسمة كفيلة بخلق دينامية اقتصادية تساعد الحكومة الصينية على تحقيق هدفها المنشود, أي الحفاظ على معدل نمو يتناسب مع الخطة الموضوعة لتنمية الصين والمستمرة منذ نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي. ثالثاً: القدرة التنافسية للاقتصاد الصيني, ذلك أن الصين تنتج السلع ذاتها التي تنتجها المصانع في الدول الاقتصادية المتقدمة, ولكن بتكلفة أقل بسبب تدني تكلفة مدخلات صناعة هذه السلع, وهذا أدى إلى الإقبال على شراء السلع الصناعية في أسواق الدول المتقدمة والعزوف عن شراء السلع المثيلة بسبب الفرق في الأسعار الذي يناسب تدني القدرة الشرائية لدى المستهلكين في الدول المتقدمة التي نجمت عن الأزمة الاقتصادية.
هذه العوامل الثلاثة متضافرة تؤكد أن الصين ستكون بمنأى عن التداعيات السلبية الحادة للأزمة الاقتصادية العالمية على عكس حال أوروبا والولايات المتحدة واليابان, وحتى دول أخرى مثل روسيا.