ويبدو من الصعب قراءة التفاعلات الحاضرة في اميركا اللاتينية دون العودة للبدايات التي اغرقت دولها بحمامات دم موصوفة، عندما كانت شعوبها تناضل ضد الديكتاتوريات التي زرعتها واشنطن في باحتها الخلفية، ودفعت تلك الشعوب أثماناً غالية للخلاص من طغيان اليانكي بصمود ثوارها في هافانا وتشيلي وكاراكاس التي أصبحت معقلاً لمناهضة الامبريالية.
اليوم تكتل معظم دول القارة في مشهد يرفض عودة الهيمنة الاميركية من الابواب الخلفية الرخوة مثل كولومبيا المجاورة لفنزويلا التي قبلت زرع سبع قواعد اميركية عسكرية في وقت ترفض فيه الاكوادور الوجود الاميركي وامهلت واشنطن حتى نهاية العام لسحب قواتها من ميناء (ماناتا) بينما دفع الرئيس الهندوراسي المخلوع زيلايا ثمن مطالب مماثلة.
الحشد الاميركي العسكري الجديد بدءاً بكولومبيا هواستراتيجية لدفع جديد باتجاه الجوار الجغرافي المفقود كتعويض واجراء مواجه لماعانته واشنطن مؤخراً من فقدانها للتأثير والنفوذ على أيدي الجيل الجديد من قادة القارة الذين يرفضون الوصاية الاميركية تلك القارة التي تؤمن منها الولايات المتحدة 50٪ من حاجاتها النفطية.
شافيز الزعيم اليساري الذي يناهض الهيمنة الاميركية في كل انحاء العالم والداعم لقضايا التحرير اعتبر كولومبيا شرطي اميركا الجديد في القارة كما اسرائيل شرطيها في البحر المتوسط وطلب من قواته الجهوزية لحرب قد تكون كولومبيا رأس حربتها بوقود أميركي للاطاحة بالانظمة اليسارية في الكاريبي والخطير في اتفاقية القواعد مع كولومبيا ، السماح للاسطول الاميركي الرابع والغواصات النووية المتمركزة في المياه الاقليمية للمنطقة بما ينتهك اتفاقية (كلا تيلوكو) لعام 1967 التي تحظر نشر الاسلحة النووية في القارة.
يحق لاميركا اللاتينية القلق على مستقبلها في ظل التطوارات التي تنبئ بسباق تسلح جديد ومكلف ومن حروب قد تنشب ، ويحق لها استحضار وعود أوباما الدافئة في قمة الاميركيتين بالتغيير وفتح صفحة جديدة مع دولها يلغي مبدأ مونرو القائل اميركا للاميركيين ويحق لنا نحن ايضا استحضار مشهد الاسطول الاميركي السادس وهو يجوب مياه المنطقة العربية بمشاركة اسرائيل التي تمارس قرصنة فاضحة بحجة مكافحة مايسمى الارهاب بتفويض اميركي يؤكد تمسك الولايات المتحدة بدورها أمبراطورية عسكرية تسقط كل شعارات التغيير التي حملت أوباما للبيت الأبيض.