وفي هذه المناسبة التي حضرها رئيس وزراء الصين وعدد من رؤساء وزراء أفريقيا سلطت الأضواء على الواقع الاقتصادي في أفريقيا وعلى تطور العلاقات الصينية- الأفريقية وما تحقق حتى الآن في جميع مجالات الاقتصاد.
وعلى الرغم من أن القارة السمراء لا تزال تعيش سلسلة من الاضطرابات الشديدة, وتنتشر الفوضى والحروب في كل أنحائها بسبب الصراعات الخفية على النفوذ والمصالح بين الدول الكبرى, وعلى الرغم من أن أفريقيا تحتفظ للعام الخامس على التوالي بكونها القارة التي تحتوي على أكبر عدد من الدول الفاشلة (11- من بين 20 دولة التي تتصدر القائمة هذا العام), حسب مؤشر الدول الفاشلة, الذي نشر معطياته في آب عام (2009), على الرغم من كل ذلك إلا أن هناك معطيات أخرى تشير إلى نهوض أفريقيا اقتصادياً, إذ تشير المعطيات الاقتصادية إلى أن إجمالي الناتج المكيف بحسب التضخم في القارة تضاعف تقريباً من (130) مليار دولار في ثمانينات القرن الماضي إلى (300) مليار دولار عام (2008) حسب نشرة إحصائية أصدرها مصرف «غولدمان ساكس» وقد سجلت أفريقيا نمواً سنوياً بنسبة (7%) في مطلع العقد الحالي بعدما كان معدل النمو يتراوح في حدود (2%) في عقد التسعينات.
اليوم في الوقت الذي تعصف فيه الأزمة الاقتصادية باقتصادات العالم كلها, ولاسيما في الدول المتقدمة, حيث تشير التوقعات إلى نمو لن يتجاوز (0.5%) إلا أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبلغ معدل النمو في مختلف أنحاء أفريقيا حوالي (3%).
ولم يقتصر التقدم الذي حققته أفريقيا على المستوى الاقتصادي فحسب, بل إن منظمة الشفافية الدولية أشارت إلى تراجع الفساد, وتشير مؤسسات الائتمان العالمية إلى أن النظام المالي في أفريقيا يتجه نحو النضوج, وقد عكست ذلك التصنيفات الائتمانية, حيث أن هناك (17) دولة أفريقية احتلت تصنيفاً يفتح الأبواب أمام الرساميل الخاصة التي تجعل الاقتصاد ينشط بقوة.
ويبدو أن واحداً من أهم عوامل التحول الإيجابي في الأداء الاقتصادي لأفريقيا يعود إلى التغيير الذي طرأ على علاقاتها الدولية, ففي العقود السابقة, كانت علاقات أفريقيا هي حصراً مع الدول الغربية الكبرى التي استعمرت هذه القارة, ولا تزال شركاتها تهيمن على أهم أوجه النشاط الاقتصادي, ومصادر قوة الاقتصاد الأفريقي. ولكن أفريقيا استفادت من التحولات التي شهدتها العلاقات الدولية على الصعيد الاقتصادي في السنوات الماضية, وبروز فاعلين اقتصاديين جدد لتطوير أدائها الاقتصادي, وفي هذا السياق جاءت علاقاتها الناشئة مع الصين التي قررت في القمة التي عقدت عام (2006) منح أفريقيا معاملة تفضيلية تجسدت بإجراءين بارزين:
* الأول, استيراد الصين بضائع من الدول الأفريقية التي تقيم صلات اقتصادية مع الصين من دون رسوم جمركية, ومعروف أن السلع الزراعية الأفريقية لم تستطع الوصول إلى الأسواق الغربية بسبب السياسة الحمائية التي تفرضها تلك الدول على هذه السلع, وساهم وصول السلع الزراعية إلى الأسواق الصينية في تحسين أداء الاقتصاد الأفريقي كون أفريقيا منتجاً زراعياً بالدرجة الأولى.
* الثاني, تعزيز الاستثمار المالي وتقديم القروض إلى الدول الأفريقية في المجالات التي أحجمت عن الاستثمار فيها الشركات والحكومات الغربية حيث خصصت الصين (10) مليارات دولار في منتدى شرم الشيخ كقروض تقدم لأفريقيا في السنوات الثلاث المقبلة, وهكذا بفعل هذه السياسة قفزت الاستثمارات الصينية في أفريقيا إلى (28) مليار دولار منها (6) مليارات في عام (2008), وتم التوقيع في الملتقى الثالث الذي عقد في شرم الشيخ على (10) اتفاقات لإنجاز مشاريع محددة على هامش الاجتماع تشمل كلاً من إثيوبيا ومصر ومالي ونيجيريا وأوغندا.
هكذا يبدو أن التعاون الاقتصادي بين الصين وأفريقيا يهيئ القارة الأفريقية للخروج من ثلاثية الفقر والحروب والأوبئة.