لم يمتلك المسرحي الكبير بيتر بروك إجابة شافية كما يروي في مذكراته المعنونة ( خيوط الزمن ) فقرر تمضية بعض الوقت بصحبة اثنين من أصدقائه في الدانمارك فلايوقظ السؤال الغافي..
ذهب الثلاثة في رحلة على الأحصنة , وإذا بفرس ترمي براكبها عنها إلى الأرض , أما هي فتغوص فيما سماه الكاتب الرمال الناعمة , وفيما نسميه نحن الرمال المتحركة.
انغرست قوائمها تحت الأرض , ولم يعد يبدو منها إلا رأسها وكفلها العظيم. حاول الثلاثة إنقاذ الفرس دون فائدة , بعثوا بأحد المزارعين ليأتي بجرار يسحبها، لكنهم يعلمون أن الطريق سيأخذ ردحاً يلتهم فيه الموت فرص النجاة , فجلسوا على الأرض الثابتة يراقبون فرسهم التي اختارت الثبات وعدم الحركة: « كان أنفها ينبض وهي تصدر أصوات طمأنينة خافتة... كانت رقيقة ناعمة على ثقة من مواطئ أقدامها... لقد اقتنصتها الرمال المراوغة , لكن توازنها الداخلي لم يهتز رغم ذلك , لأنها بدت , في حضورها الثابت هادئة تماما , وحذونا حذوها , فانتظرنا هادئين.. «
فجأة وبعد ساعة بدت دهراً , ودون إنذار تلوت الفرس , نفثت بخاراً من منخريها , استنهضت قائمتيها الأماميتين واندفعت. فإذا بها خارج الحفرة منتصرة , تقف على أرض ثابتة , تتنفس تنفساً ثقيلاً .
بحكمة مذهلة أدركت الفرس أن التخبط في الرمال المتحركة سيشدها إلى الأسفل , أدركت أنها معركة خاسرة , وأنها فوق ذلك ستستنزف قواها , فقبعت تنتظر بصبر , إلى أن حانت لحظة الإعجاز.
dianajabbour@yahoo.com