في محاولة لخلط الأوراق وفتح سجالات جديدة تعيد تلزيم التركي بتطويق المشهد مع هؤلاء الإرهابيين، مع ما يستلزم ذلك من وقت إضافي لإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، بحثاً عن طوق نجاة يعيد ترتيب الأفول المتسارع للحقبة التركية.
وهو ما تؤكده المعطيات الميدانية القادمة من فوهات النظام التركي الإعلامية والسياسية، حيث ترك لمرتزقته تعليمات البوح بمكنوناتها، والإصرار على الحديث عن فرضيات خارج سياق الحديث السياسي، الذي يؤشر بوضوح إلى أن النظام التركي وحقبته السياسية وصلا إلى حد الاستعصاء داخل عنق الزجاجة في ظل تآكل رصيد الداخل والخارج.
فلعبة التسويف انتهت، ومحاولات العرقلة السياسية والميدانية لم تعد تجدي، فكان اللجوء إلى تحشيد التنظيمات الإرهابية وتوفير الدعم المباشر عبر الأراضي التركية، التي شاركت فيها قوات النظام التركي على نحو غير مسبوق، وكان الهدف تغيير مسار التموضعات القائمة على الأرض، حيث يمكن توظيفها لتغيير المقاربات السياسية في الحد الأدنى، وتعديل النقاشات القائمة باعتبار أن إعادة تلزيم النظام التركي بلجم وتعديل سلوك التنظيمات الإرهابية لم تعد صالحة للاستخدام.
المفارقة أن النظام التركي المشغول بالتقاطعات الدولية القائمة في ظل التناحر الحاصل في موازين العلاقة مع الأميركي يرسم أفقاً يحاول من خلاله ابتزاز الجانب الروسي، ومحاولة المساومة على العلاقة المتعدية في الجوانب الأخرى، حيث يعوّل على فارق التوقيت هنا لتعديل مسار الانطلاقة الأممية، التي تكون في نهاية المطاف سوقاً إضافية للتسويف، يكسب من خلالها بعض الوقت، أو يؤخر المسار السياسي الذي بات يتحضّر بدوره للتحرك وفق حسابات ومعادلات يفقد فيها التركي أكثر أوراقه، وربما جميعها في لحظة الاستحقاق.
الفرضية هنا ليست على الاستنتاج، ولا هي برسم الوقائع على الأرض فحسب، بل سياق يستظل به النظام التركي، وهو يحاول أن يتمسك بآخر الأوراق المتاحة، حيث انطلاق المسار السياسي بعد طول مماطلة، والعراقيل التي كانت تحول دون ذلك لا تزال ترتبط بأوراق التنظيمات التي خوّلت تركيا الاحتفاظ بموطئ قدم على الطاولة السياسية، وهو ما يدفع به إلى التصعيد والتسخين ورفع منسوب الإرهاب كلما لاحت في الأفق خطوات جادة بهذا الاتجاه.
ما ينطبق على الاستحقاق السياسي ينسحب على الشقّ الميداني والعسكري أيضاً، حيث الارتباط العضوي بين النظام التركي وتلك التنظيمات لم يترك فسحة لكلا الطرفين بالتمايز، ولا فرصة لفك الارتباط المصيري القائم، كما أنّ التعويل التركي على التنظيمات الإرهابية لا يقتصر على دورها في استحضار الأوراق التي يلعب بها النظام التركي، وإنما يؤشر إلى تدحرج في المقاربة.
فالخسارة السياسية جزء مكمل للهزيمة الميدانية، والتعثّر في المشروع الإرهابي البداية الطبيعية لتقهقر المشروع الأردوغاني، وقد يكون لأفول حقبة تركية، إرثها المشبع بالدم والتغوُّل والتطرّف يحتاج إلى عقود من المراجعة السياسية والأخلاقية، والأهم أن السباق بين الأفول والتعويم لايزال محتدماً ويصطدم –على الأقل- بأن الإصرار على المتاجرة بالوهم تبقى من دون رصيد حتى لو كانت محمولة على ترسبات الدور والمهمة والحالة الوظيفية لتلك الحقبة، حيث إعادة التعويم تحمل بذور فشلها من داخل النظام كما هي من "خارجه.
a.ka667@yahoo.com