او تزويده بالموارد البشرية والكفاءات او غيرها , ونستطيع ان نختلق انماطاً من التكامل والشمول في طرائق عمل هذا الجانب او ذلك فتأتي النتائج مشجعة ومبشرة في حدود اهداف ونطاقات العملية التطويرية في هذا الجانب , وقد تتراكم بضع تجارب من هذا الطراز في غير موقع ومكان , فتوحي بأننا على الطريق الصحيح لعملية التحديث الاقتصادي والاداري , وبأن مواصلة السير على هذا الطريق يعني الوصول حتما.
غير اننا لن نلبث ان نكتشف ان هذه المتفرقات صحيحة وفق مقاييسها الفردية وكتجارب مستقلة فقط , وان اية محاولة لمراكمتها وفق مقاييس التعميم والشمول يعني تخطيئها بالجملة , وسنكتشف بالتالي , ان اجتماع جملة فلسفات للتطوير و التحديث لايصلح للذهاب صعدا من تحديث المؤسسة او القطاع الى تحديث النظام الاقتصادي كاملا, وانه لابد من فلسفة كاملة وشمولية تجري في اطارها عمليات التحديث الفردي والانتقائي.
على هذا النحو, يبدو واضحا التلازم الطبيعي والحيوي بين مفردات التحديث واتجاهاته فلايقتصر على الاقتصادي الا باعتباره ملحا وممهدا لما هو اجتماعي او سياسي او ثقافي او غير ذلك , لاسيما ان فلسفات التغيير محدودة ومعروفة, وان تطبيقاتها باتت ايضا كذلك , لابل ان شروط التغيير باتت ايضا محدودة وغير قابلة للتجزؤ او الانتقائية , ولعلنا لهذا السبب لاحظنا تركيزا لافتا للتوازي بين ماهو اقتصادي وما هو اجتماعي, ليس في فلسفة الخطة الخمسية العاشرة وحسب, وإنما في تطبيقاتها عبر البدايات في المرحلة التنفيذية لبرنامج التحديث المؤسساتي الذي أعلن عن البدء في الأمس.
ان الأخذ بأي نموذج محدود وانتقائي من تطبيقات الحداثة, نقله أو اقتباسه, وسواء كان نموذجاً غربياً أو صينياً أو ماليزياً أو غير ذلك, يعني اقتطاعه من سياق كامل اقتصادي اجتماعي سياسي ثقافي في بلد المنشأ, الأمر الذي يجعل من شروط إعادة الإنتاج لهذا النموذج ضرورة حتمية لابد من توفيرها أولاً في مكان الانتقال, كي يكون ممكناً, ودونما قسر أو ارغام, تكريس النموذج في البيئة الجديدة, وإلا فسنكون كمن ينقل نبتة استوائية للعيش في مناخ قطبي, فإما تعميم كل شروط تجربة النقل والاقتباس وليس جزءاً منها لخلق بيئة طبيعية, وإما البيت البلاستيكي الذي يحل مشكلة طارئة.. لكنه لا يشكل نموذجاً قابلاً للحياة في الحساب الأخير.