يشكل ضرورة موضوعية وذاتية لأكثر من اعتبار وسبب، فنحن أولا على مشارف فصل الشتاء وهناك بعض ضعاف النفوس من الذين يحاولون استجرار الطاقة بالمجان، الأمر الذي يؤدي إلى حرمان خزينة الدولة من فواتير مالية ضخمة وذلك في ظروف استثنائية نحن أحوج ما نكون إلى هذه الفواتير التي يجري تبديدها، والأهم أنه وفي ظل العقوبات الظالمة التي تفرض على بلدنا منذ بداية الأزمة الحالية، ثمة ضرورة لترشيد استهلاك الطاقة والحرص على عدم تكثيف الضغط على الشبكات تحسبا من إتلافها وعدم القدرة على استيراد قطع التبديل اللازمة.
لكن ورغم أهمية هذا القانون وضرورته في ترشيد الطاقة ومنع التعدي على الشبكات، يتعين التذكير، أن الحكومة السابقة كانت قد أصدرت قانونا يرمي إلى إدخال القطاع الخاص إلى ميدان الاستثمار في توليد الطاقة، ولما كانت الأحداث الاستثنائية الجارية منعت من تفعيل هذا القانون، فان الاستحقاق الأبرز والأهم ونحن على مشارف تجاوز الأزمة الحالية، يتمثل في ضرورة إنعاش ذلك القانون وتشجيع قطاع الأعمال للاستثمار في هذا القطاع الحيوي، فالأمر الذي لم يعد خافياً على أحد، أن الحاجة إلى الطاقة الكهربائية باتت تتزايد بشكل غير متوقع، ويقدر البعض هذه الزيادة بنحو (100) بالمئة نتيجة التوسع في مشاريع الاستثمار الخاص، والتزايد السكاني واتساع حجم السكن والعمران والنشاط الزراعي والصناعي وغيرها من الاستخدامات، وكانت تقديرات الخبراء قد أكدت في السنوات الأخيرة، على أن سورية باتت بحاجة إلى إقامة محطات جديدة لتوليد الطاقة في كل عام، وفي حال عدم الاستجابة لمثل هذا الاستحقاق، فإن العجز التراكمي سوف يستمر، وهذا بدوره سوف يؤدي إلى استمرار برامج التقنين وتواصل الانقطاعات الكهربائية.
ويتعين الإشارة، بأن دخول القطاع الخاص على هذا النمط من الاستثمار هو أكثر من ضرورة، ذلك أن هذه المشاريع تعتبر من المشاريع الكبرى التي بحاجة إلى توظيف استثمارات عالية واستقدام معدات ثقيلة، وتوفير المواد الأولية المولدة للطاقة من غاز وفيول، وكانت وزارة الكهرباء طيلة السنوات الأخيرة، قد أكدت أنها تعاني من أزمة تمويل لإحداث هذه المشاريع، وحسب التقديرات التي صدرت عن الوزارة قبل أكثر من عامين، أنها بحاجة خلال سنوات الخمس القادمة لنحو (240) مليار ليرة، للاستثمار في مجال التوليد حصراً، ومثل هذا الرقم العملاق يبدو أنه يفوق قدرات وإمكانات الحكومة، وبالتالي كان لابدّ من إطلاق نداء استغاثة واللجوء إلى الاستثمار الخاص، لإنقاذ الواقع الكهربائي من الأزمات التي يمكن أن تحدث مستقبلاً.
ولعل القضية الأهم التي يتعين توجيه الأنظار لها في ضوء صدور القانون الجديد رقم ( 23 )، أن الحكومة وفي حال كانت جادة في الوقوف بوجه الذين يتعدون على شبكات الكهرباء ويقومون بالاستجرار غير المشروع، فهي مطالبة في المستقبل القريب في جذب شركات خاصة قادرة تأهيل شبكات الكهرباء وإعادة صيانتها وإعمارها لخفض الكميات العملاقة من الفاقد الكهربائي، ويكفي التذكير بأن الاقتصاد الوطني وحسب بعض التقديرات التي يجري ترويجها في المنابر الإعلامية الرسمية يتكبد سنوياً نحو (14) مليار ليرة بسبب الفاقد الكهربائي فقط، وهذا الرقم يشكل قيمة كميات الفاقد التي وصلت إلى نحو مليارين و(60) مليون كيلو واط ساعي. ومن يدقق في هذا الرقم، فسوف يكتشف أنه يشكل نحو ثلث إجمالي كميات الطاقة التي كانت تنتج لغاية عام 2004, وبيت القصيد من الإتيان على هذه التفاصيل القول، أن ثمة ضرورة وحاجة ماسة لتحديث البنى التحتية لكل ما يتعلق بقطاع الكهرباء، بحيث يتم العثور على تقانات فنية عالية من شأنها منع المستهلكين من التعدي على الشبكات سواء في المناطق والأحياء المنظمة أو في العشوائيات التي ازدادت اتساعا خلال السنوات الأخيرة.
marwandj@hotmail.com