ومعظم النار من مستصغر الشرر كما قال الشاعر. وإذا اختص الغضب قوماً ما.. أو شعباً ما اذا به يتحول الى إعصار من النار تأكل الأخضر واليابس.. وتجعل من العامر خرابا.. ومن الإزدهار والأمن سرابا. وكأنما نحن الشرقيون في هذه المنطقة من العالم يجتاحنا الغضب بسبب أو دون سبب.. ونظريات تقول إنه كلما كانت المجتمعات قوية ومتماسكة وذات روابط شديدة كما القبائل والعشائر كلما اجتاحها الغضب بوتائر أعلى وبشدة أكبر.. فما قولنا ونحن الذين حملنا القصص والروايات إن لم تكن ذات مصداقية فهي ذات دلالات مثل حرب داحس والغبراء.. أو حرب البسوس.. أو ربما صرخة من امرأة تقول: «وا ذلاه».. وأخرى تنادي: «وا معتصماه».
وها هي نيران الغضب تشتعل في البلاد العربية تأثراً أكثر منها تأثيراً بعضها ببعض.. وها هي الجموع تزحف الى الساحات وقد تعددت فيها الرايات تصرخ وتنادي.. وقد يكون هناك حياة لمن تنادي.. أو يكون الغضب أخطبوطاً يتفرع بالفرقة والخلاف.. وربما تغدو هذه الجموع قطعاناً من الخراف.. والصوت يناديهم عليكم بالحوار.. ولا شيء آخر إلا الحوار بينما للحوار شروطه الخاصة حتى يسمى حواراً.. وإلا فهو هذر وأصوات ليس لها قرار أو نتيجة إلا المزيد من العداء أو المجافاة.
وتأتي الأوامر الإلهية بالصبر والتسامح والمراعاة لا للجار وجاره بل للأخ وأخيه.. وللأب وبنيه.. والقلة القليلة هي التي تحاول أن تتمسك بهذه النصائح الإلهية كي تتغلب على جزء من مشكلاتها الأرضية عموماً والمعاشية خصوصاً.. فكيف وهي ترى الدم يسيل أنهاراً.. والعداء يستعلي ويعلو صوته جهاراً نهاراً؟
أما الجفاف.. فهو قدر آخر من أقدار هذا الجزء من العالم الذي يسمونه الثالث من آسيا وافريقيا وبلاد العرب أيضاً. فالجفاف يعتصر الملايين من البشر فلا يترك منهم إلا الجلد والعظم وعيون تتساءل: ماالخبر؟.. والأم تقذف بأبنائها الضعاف الى الموت وتسحب من يقوى منهم على السير الى حيث كسرة خبز أو جرعة ماء.
لكن الجفاف ليس الغضب من الطبيعة فقط.. ولا يمس الأجساد فقط بل هو الجفاف من ينابيع التراحم الاجتماعي.. والمؤازرة بين شعوب الأرض كي ينقذ بعضها بعضا.. أو يمد يد العون اليها.. وقد كان العالم الغني المترف هو السبب في بوارها.. وقطع غاباتها.. وامتصاص مواردها حتى غدت عجفاء يابسة بينها وبين الموت والإندثار خطوات بينما العالم يزهو بحضارته المتفوقة.. وبملياراته المتدفقة.. وكأن الحضارة تحولت الى آلة فقط هي حربية أكثر منها انسانية. وإذا ما وصل الجفاف الى العقول والنفوس والقلوب فسلام على كثير من الشعوب التي ستغدو أرقاماً في ذمة التاريخ وليست أعلاماً أو علامات.
وكما للجفاف مواسم تنكشف وتزول فللغضب أيضاً مواسمه.. وفواجعه.. وآلامه.. وآثاره.. بشرط ألا يقتحم الناس لهيبه أفواجا.. وألا يتحولوا في بحره أمواجا.
دفع الله عنا برضاه ورحمته هذا الغضب.. وألهمنا مع رمضان الرضا والرضوان حتى نجتاز هذه المحنة المتفاقمة التي تملأ خارطة بلادنا.. وتختلط بدعاء المغفرة والغفران يصدح في رمضان وبنداء الله أكبر.