لكن الآن راحت الفرحة وجاءت الفكرة، فالواقع يشير إلى أن كثيرين، وخاصة من ذوي الدخل المحدود الذين فرحوا بتسلم مرتباتهم قبل بداية الشهر، بدؤوا يبحثون عن بقايا وفضلة راتب شهر أيلول المعروف بأنه شهر النكبات المنزلية، فالبعض منهم دخل هذا الشهر وهو مفلس وآخرون ليسوا أفضل حالا منه، وعليهم الآن أن يعيدوا حساباتهم بشكل دقيق ليكملوا ثلاثين يوما بأقل من ربع الراتب، وأعتقد لو جاء صاحب النظرية الكنزية في الاقتصاد أو عبقري الاقتصاد الاشتراكي أو صديقه مبدع النظريات الرأسمالية، لفشلوا ولووّا رؤوسهم، للتعبير عن عجزهم في رسم استراتيجيات إنفاق أسري لأسرة بلا دخل..!
هي معاناة سنوية تمر على الموظفين الذين لا تكفيهم رواتبهم، و لكن بعضهم من الموظفين ( ميسوري الحال ) لديهم مصادر مختلفة، فمن كان حظه أن عمله يرتبط بخدمات يقدمها للمواطنين من تواقيع ومعاملات وتراخيص، فهو سيجد مصدرا مباشرا للدعم يغنيه ( مذلة ) السؤال عن قرض أو دين أو جمعية، أما الموظفين الآخرين القابعين في المكاتب الخلفية، فهؤلاء سيندبون حظهم لعدم توفر من يدعمهم للانتقال إلى الواجهة والتعامل مع الزبائن بشكل مباشر، خاصة أن شباك الزبائن في معظم مؤسساتنا الحكومية يكون للأكثر دعما وليس للأكثر معرفة ودراية بأمور تسهيل المعاملات..
كثير من المراجعين تعودوا أن أي معاملة تحتاج للسرعة في إنجازها، يتوجب على صاحبها دفع المعلوم، حتى لو كانت معاملة زواج، وإذا لم يتيسر لصاحبها تسديد ما عليه من التزامات تجاه الموظف، من فئة المائة ليرة وأكثر، فهم لا يحبون الفراطة، فإن عليه الانتظار حتى تتنزل الرحمات ويشعر الموظف أنه موجود لخدمة أخيه المواطن وأن راتبه يأخذه من الضريبة التي يسددها هذا المواطن، وليس من جيب أحد آخر، وعندها ينجز له معاملته بتأخير يومين أو أسبوع أو أكثر بقليل..
فكيف نقطع دابر هؤلاء المرتشين والراشين والمؤخرين لمصالح الناس..؟
هي عملية بسيطة وهناك دول متقدمة تستخدمها، لأنها ظاهرة ليست محلية فقط، الأمر يتم من خلال إيجاد نافذة خاصة للمعاملات المستعجلة، يأخذ خلالها الموظف المعاملة ويمررها إلى المختصين ويتم إنجازها مباشرة، تماما كما تتم العملية الآن بين ( الراشين والمرتشين ) ولكن بدل تسديد المبلغ كرشوة للبعض الذين يتواجدون لخدمة ( الخاصة ) من الزبائن، يتوجب على الزبون تسديد مبلغ إضافي بشكل نظامي ومعلوم لقاء خدمات خاصة يتلقاها من هذه الدائرة الحكومية أو تلك، فمن يرد الاستعجال عليه أن يدفع ضريبة العجلة بشكل نظامي وهذا حقه، وحق الدولة أيضا، ومن لم يرد الاستعجال فيمكنه الانتظار لانجاز معاملته ويفترض بهذه الحالة تحديد مهلة نظامية لانجاز المعاملات، في حال اكتمال الأوراق..
وهذا الدخل الإضافي يجب أن لا يكون من نصيب الخزينة، بل يتم لحظه في بند خاص بحيث يعاد توزيعه على الموظفين في الدائرة نفسها التي تجبي أموال هذه المعاملات، أو للعاملين في الوزارة الواحدة، بما يتيح الاقتطاع المتساوي والعادل للدخل الخارجي الاستثنائي بين الموظفين في الواجهة والآخرين في المكاتب الخلفية، وعندها بالتأكيد قد لا نحتاج للواسطة للتزاحم على الشبابيك سواء لجهة الموظفين الذين ستغيب ميزات رشاويهم أو للزبون الذي سيجد من يستقبله لقاء ما يدفع ولكن دون رشوة..
w.moneer@hotmail.com