| قراءة أولية في الاستراتيجية السورية (13)...المنظمات الشعبية معاً على الطريق إذا كان الرئيس جورج بوش يقول إن أميركا معرضة للخطر المؤكد إذا ما انهزمت في العراق فما الذي يمكن أن نقوله في سورية ونحن نتعرض لشتى صنوف المؤامرات المكشوفة والمستورة, وعلى الأخص بعد أن أعلن عميد صبيان السياسة وغلمانها في لبنان المريب المذموم الملغوم وليد جنبلاط علناً وبكل وقاحة أنه لا يمكن إسقاط النظام في سورية إلا بمساعدة أميركا, وبعد أن اجتمع مع ممثلي قطبي الخيانة خدام- بنايوني في أميركا للتنسيق بشكل علني ومكشوف لتحقيق هذا المخطط الإجرامي الخياني الذميم الدنيء. وعليه فإنه ليس أمامنا إلا خيار وحيد يتلخص بالسعي الدؤوب لتحصين البلد بالناجذ والناب قدر المستطاع, بصرف النظر عن ايديولوجياتنا وانتماءاتنا ومواقفنا من النظام الرسمي, وهذا لا يتم إلا عبر محاربة مختلف أشكال الفساد والتقصير والمحسوبية والبيروقراطية وسوء استغلال السلطة وغياب العدالة في توزيع الثروة, مهما بلغت درجة ملامستنا للخطوط الحمراء. في رأيي الشخصي ان تداول تعابير مثل (النفخ في قربة مقطوعة) أو (فالج لا تعالج) في إطار الحديث عن مدى فعالية النقد هو أمر بازاري (وشرشوح) ومشين ويكاد يلامس حدود الخيانة, فهل من خيار أمامنا غير إصلاح البلد? وهل يمكن أن نستسيغ لأنفسنا المساهمة في دعم جهود أميركا بنشر الفوضى الخلاقة كرمى لعين الديمقراطية التي تنادي بها في هذا الشرق الأوسط المبهم المعالم والتي أصبحت مضغة في الأفواه ولطخة في جبين الإنسانية بعد كل تلك الفضائح المجلجلة?. بودي قبل التعرض لملف المنظمات الشعبية أن أتوجه بالسؤال إلى كل من استلم منصباً فيها ما إذا كان يشعر بالرضى أو براحة الضمير تجاه ما قام به, وباعتقادي الشخصي أن مثل هذه الوقفة مع الذات ومحاسبة النفس ستحمل قطعاً جوانب أخلاقية ووطنية, تدفعنا إلى بناء الوطن وفق ما نشتهي ونريد رغم مختلف العوائق. إن إطلاق الأسهم النارية احتفالاً بعيد الجلاء هو مؤشر بسيط إلى أننا نتجه رويداً رويداً نحو تركيز الولاء للوطن ونحو استيعاب أبعاد مفهوم الاستقلال والحرية والنظرة الجمعية إلى هذا الوطن بوصفه حاضنة تاريخية لنا جميعاً تشتمل على نضالاتنا ومنابع عزتنا وكرامتنا وعلى إهابنا التاريخي الذي أسس له في تاريخنا الحديث والمعاصر البطل الشهيد يوسف العظمة, وهي محاولة لبناء المؤسسات من ضمن مفهوم شامل يبتعد قدر الإمكان عن ضبابية الايديولوجيات وما تطرحه من امتيازات لا ترتبط بجوهر مفهوم الولاء للوطن, بصرف النظر عن الأصوات النشاز التي ما زالت تزاود من خلال شعارات وولاءات جانبية. معروف أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي يعتبر أحد أبرز المعاقل الاشتراكية عانت سورية معاناة شديدة جراء سقوط ذلك الحليف الاستراتيجي الذي دعمها في الحرب والسلام ووقف إلى جانبها في معارك التنمية, وظلت القيادة السورية تراقب الأمور في ضوء ما حدث سياسياً واجتماعياً في كل من مجتمعات الاتحاد السوفييتي وفي الصين وشعرت بتوجس كبير من مفهوم البريستوريكا الملغوم والذي كان شعار حق أريد به باطل, وتماسكت وصمدت أمام العاصفة الأميركية التي تسعى إلى تسطيح العالم ومنه تسوية النتوء السوري. ومهما تباينت مواقف العالم اليوم من مسألة الاشتراكية فإن مفهوم العدالة الاجتماعية يبقى هو الأساس والطاغي على المشهد الاجتماعي والسياسي, وعليه فإن مفهوم المنظمات الشعبية كمقوم أساسي لبنية الدولة والمجتمع السوري سيبقى قائما ومستمراً مهما بلغ حجم التشويه في فعاليته ونشاطاته, وسيبقى القطاع العام على سبيل المثال, مدماكاً أساسياً من مداميك الدولة رغم كل ما مر عليه من اخفاقات وفساد وفضائح. ورغم دعمنا لمفهوم البرجوازية الوطنية وللقطاع الخاص والقطاع المشارك لكننا سنبقى ضد غالبية مشاريع الخصخصة. فالهدف الرئيسي لهذه المنظمات في ظل الظروف التي كانت سائدة كان الولاء للوطن أولاً وللانتاج ثانياً, ولكن كثيرين اعتمدوا على ولاءات جانبية كجواز مرور للمناصب وللتمتع بامتيازاتها. أشرت في العديد من المقالات إلى خطورة سطوة مفهوم الكانتون , وفي ضوء هذا المفهوم فإنني أطرح سؤالاً اشكالياً هو: هل جرى تنسيق استراتيجي بين اتحاد العمال واتحاد الفلاحين?. فحسب مفهوم الدورة الاقتصادية المتكاملة فإن العلاقة بين اتحاد الفلاحين واتحاد العمال هي وشيجية واستراتيجية, فمحصول القطن الخاضع لاتحاد الفلاحين له علاقة حيوية بالغزل والنسيج والتريكو الخاضع لاتحاد العمال, فهل جرى أي تنسيق استراتيجي بين الاتحادين في هذه النقطة تحديداً?. قلت في مقالات سابقة قبل عشر سنوات إن من حق مديري معامل السكر أن يتجاوزوا مفهوم الكانتونات وأن يراقبوا ويشرفوا على إنتاج الشمندر السكري وأنه لا يجوز لهم أن يتذرعوا بانخفاض المنتوج ليبرروا انخفاض منتوج معاملهم إلى الثلث. أيام البرجوازية الوطنية كان (البوايكية) في منطقة الميدان جنوبي دمشق, والذين يمثلون صوامع الحبوب اليوم يذهبون إلى حوران ويقدمون مختلف أشكال الدعم للفلاحين لأن عمادهم الاقتصادي كان مرتبطاً بانتاجهم. أعرف أن هذا الأمر يحتاج إلى توسعات كبيرة, لكن لا بد من المرور سريعاً على فعاليات بعض المنظمات الشعبية. فالاتحاد النسائي الذي من المفترض أن يكون رديفاً ومسانداً لاتحاد العمال واتحاد الفلاحين في مجال الانتاج تحول إلى منظمة مشغولة بكوادرها, واتحاد الشبيبة الذي كان من المفترض أن يرضع مفهوم الانتاج وعلى الأخص في مواسم الحصاد بات مشغولاً بقضايا اخرى, أما المؤسسات الفكرية والإبداعية التي لا علاقة لها بالانتاج بشكل مباشر فلها قصة أخرى. وعلينا أن نعلن بالصوت الملآن أنه لا يجوز أن تتركز نشاطات اتحاد الكتاب والصحفيين ونقابة الفنانين ونقابة الفنانين التشكيليين على قضايا تتعلق بالمداواة والسكن والتقاعد وبمكافأة الوفاة إنه لشيء معيب ومشين أن يتداول اسم قامة ابداعية وثقافية استثنائية مثل الراحل سعد الله ونوس في حمأة المسائل المالية. أعرف أنه لا يمكن إيفاء هذه المسألة الحيوية حقها لكنني سأقصر ملاحظاتي حالياً على المنظمات الإبداعية التي لا علاقة لها بالانتاج بمفهومه المادي, وعليه أقترح أن يكون نقيبان أو رئيسان لهذه النقابات والاتحادات الأول له علاقة بالإبداع ولا يمارس أي سلطات أما الثاني فله علاقة بالمسائل الاجرائية من طبابة وسكن وتعويضات, وأقترح مبدئياً أن يكون حنا مينه رئيساً فخرياً لاتحاد الكتاب وأن يكون زكريا تامر رئيساً فخرياً لاتحاد الصحفيين وأن يكون رفيق سبيعي رئيساً فخرياً لنقابة الفنانين وأن يكون نذير نبعة نقيباً للفنانين التشكيليين وهذه أمور قابلة للنقاش, فلا يجوز المزاودة أو المناورة على رغبة رئيس البلاد بتكريم شخصيات مبدعة قبل رحيلها والتي تظهر الوجه الوطني والإبداعي لسورية وللبحث صلة. burhanboukhari@gmail.com
|
|