تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«بين النور والنــــــار»

معاً على الطريق
السبت 15-10-2011
قمــر كيــلاني

بين النور والنار ظلام إذا ما همدت النار.. ونهار ما بعده نهار إذا ساد النور.. وهذا الرجل الفذ في تاريخ الإنسانية المدعو (ألفريد نوبل)

الذي اخترع أول مادة للقتل وهي البارود وما اشتق منه بعد ذلك من كل أنواع الأسلحة حتى الذرية منها.. كان يهدف الى التكفير عن ذنب كبير ارتكبه إذا صح أن يكون الضمير يعذبه.. فأراد أن يكون النور قبل النار ليتنبه العالم الى أن النار وهي الحروب لا تجدي نفعاً أمام نور العقل والحكمة والقيم الإنسانية التي تحفظ حياة البشر وتصونها.‏

صحيح أن جوائز نوبل كانت محصورة في أعداد قليلة تختارها لجنة التحكيم من العالم المتمدن والمتقدم ثم انسحبت على العالم الذي يسمونه النامي أو المتخلف من دول آسيا وإفريقيا.. وقالوا عن هذه الجائزة إنها تهز عالم الهند متكاثر السكان عندما نالها (طاغور) شاعر الهند الكبير.. وأن هذا الشاعر يغرس القيم النبيلة ويعرض واقع البسطاء والمساكين في بلاده لكي تحصل على خطوات أوسع في هذا المجال.. لكن الجائزة انسحبت ولا ندري كيف حتى ابتلعتها السياسة.. فإذا بها تؤازر دولاً بعينها لأغراض أو أهداف غامضة لم يكتشفها الناس حتى وصل الأمر الى دعمها لإسرائيل جهاراً نهاراً بأسماء لا تستحق في الواقع مضمون الجائزة. ولو لاحظنا أن التشجيع الأساسي لما يدفع مركبة الشمس الى أبعد الآفاق والأكوان لأدركنا أنها ليست إنسانية بحتة.. ولا هي للإبداع سواء أكان علمياً أم فنياً أم أدبياً حتى أن الناس أصبحوا يتوقعون أو ينتظرون جائزة نوبل لأسماء بعينها إذا ما تلامعت في سماء السياسة، أو الفن، أو الإبداع الشعري، الخ...، وهذا ما حصل في السنوات الأخيرة حيث إن الذين فجّروا الحروب هم الذين نالوا جوائز السلام، ولا مجال للغوص أكثر في هذه الجوائز.‏

أعود الى القول: هل كان التنوير أو النور أو العقائد التنويرية في تقدمها التصاعدي تعادل أو تقارب ما وصلت إليه الأسلحة الفتاكة المدمرة التي تقضي على مدن بأسرها في لحظات لو أرادت ذلك؟.. إذاً فالبشرية لم تتنبه الى المعادلة الصعبة بين النار والنور أو هي وضعت في حسابها إما النار وإما النور.. ونتساءل: ما هو هذا النور؟ إنه مجموعة من الأحلام والنبوءات والتوقعات والهواجس لدى العلماء لكي يبلغوا ذروة جبل ما لا نعرفه كلنا.‏

وتناقشت مع امرأة شابة تغرس أقدامها قوية في أرض الإبداع فأقول لها: ألا تتمنين أن تكوني يوماً ما واحدة من هاته النسوة؟.. قامت من مقعدها، وقالت لي: أنا لا أتمنى.. لا لأنني أشذ عن القاعدة بمبدأ خالف تعر ف ولكن لأن هذه الجائزة تظل مبهمة علي، فهي أولاً قد شجعت الحروب، ودعمت أسلحة الفتك والدمار، ومن ثم تهدف من وراء الدعاية المالية والمعنوية الى ترسيخ هذه الجائزة في ضمير البشرية حتى لا يقدر أحد على انتزاعها، وهل كانت اللجان التي تفرز التفوق أو الإضافة العلمية، أو الفن والإبداع، الخ..، على مستوى من الحيادية والنزاهة، والبعد عن الأهداف التي بدأ الناس يلمحونها؟ ما أظن ذلك.‏

وأقول لها مندهشة: ألا ترغبين أن يكون اسمك الى جانب هذه الأسماء المتألقة في عوالم النور؟.. قالت لي: يجب أن تذكري النار قبل النور.. فما يجدينا النور بعد أن تُدمر مجتمعاتنا وتهيمن عليها هذه العنقاء الغريبة التي قال عنها القدماء إنها من المستحيلات وهي الغول والعنقاء والخل الوفي؟ وهل يعني أن من بنوا الأهرام وانقطعوا عن التاريخ لهم ثبات في التاريخ رغم صمود آثارهم آلاف السنين إذا ما استعملت الأسلحة المتفوقة كالقنبلة الهيدروجينية مثلاً، وبعد أن بلغنا تقنية النانو؟ ماذا يجدي النابغ أو المتفوق من جوائز إذا ما حل الموت بدياره وأهله، وشربت الأرض دماءهم دون أن يأخذ بحقهم أحد؟‏

سألوا مرة الناقد والشاعر الكبير العالمي (عازرا باوند) عن مستقبل البشرية في الشعر والنقد والإبداع فقال: (ماذا سيجدي كل ذلك في عالم يصبح خراباً؟).. ولا أجرؤ أن أقول إننا ندفعه الى الخراب أكثر بكثير مما ندفعه الى الإعمار والبناء.‏

ولتظل جائزة نوبل ترفرف في قمة أعلى من أولمب الرياضة التي ربما سأذكرها فيما بعد برؤية مختلفة بعيدة عن غاياتها المعلنة. والشعوب أصبحت مثقلة بالهموم الاقتصادية، والتدهور النقدي، ومشاكل كثيرة ليس فيها تنوير بل نوع من أنواع التثوير.. وربما التبرير.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 قمر كيلاني
قمر كيلاني

القراءات: 4282
القراءات: 1358
القراءات: 1068
القراءات: 910
القراءات: 943
القراءات: 984
القراءات: 954
القراءات: 2747
القراءات: 1299
القراءات: 1042
القراءات: 1097
القراءات: 1289
القراءات: 1149
القراءات: 987
القراءات: 1019
القراءات: 1057
القراءات: 1033
القراءات: 1127
القراءات: 1309
القراءات: 1104
القراءات: 1043
القراءات: 1155
القراءات: 1171
القراءات: 1110
القراءات: 1128

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية