قرب سعير النار التي تنضج الخبز كنا نتحلق إذا ما كان الوقت غروباً لأخذ أرغفة توزع علينا، ونحن نستعد لمعارك اللعب والدوران في الدروب الضيقة.
لا يهم أن تكون أمك من تخبز، تعرف السيدة أم لا، فما إن تقترب حتى يكون رغيف الخبز بين يديك، وربما في مواسم السليق، تعطى قرصاً منه، أو ما يسمى كربوجاً من الذرة، تمدّ يدك وتمضي مسرعاً، لكنك سوف تتوقف للحال، إن سقطت منك ذرة من الخبز، تنحني وترفعها بيدك لتطبع قبلة عليها، ومن ثم تتناولها أو تضعها بمكان لا يمكن أن تتلوث به، وليس هذا، بل كنا نقسم على رغيف الخبز إذا حدث أمر ما، قدسية اليمين على رغيف النعمة يعني أنك ستجني الويل والثبور، إن كان قسمك كاذباً.
وفي البيت، لا أرغفة خبز تهدر، ولا شيء مما يقولون عنه خبز معجن، رغيف أشهى من وردة جورية، وحين تعجن الأمهات بالوقت المستقطع من العمل يعتبرن ذلك استراحة، غالباً ما يكون ظهراً، أو وقت المغرب، وإذا ما كانت الهمة عالية فالأمر قبيل الفجر.
تغيرت الحال والأحوال، صحيح أن التنور مازال في بعض الأماكن، لكنه ليس لزاد الأسرة، إنما لعابر سبيل يتشهى رغيفاً من خبز طازج ومن زمن جميل، يعيده إلى فسحة من الأمل.
اليوم لا أحد ينكر أن رغيف الخبز في سورية مؤمنٌ وخطٌّ أحمر، ومدعوم من الدولة، نعم الدولة، فالدولة هي مظلة الجميع، تسهر على تنفيذ مقدرات هي من تعب الآباء والأجداد، وتعبنا اليوم، بمعنى آخر هي جهد جماعي لكل منتج، ومشكورة كل جهة حكومية تحرص على أن تحافظ على هذا الدعم وتديره، والمسؤولية ليست على عاتق المؤسسات وحدها، بل على الجميع من البيت أولاً يبدأ احترام النعمة، ولنعترف أننا لسنا جميعاً بمستوى هذا الوعي، وكل إجراء يقود إلى حفظ النعمة ودعم رغيف الخبز، من واجبنا أن نعمل على تعزيزه، ودفعه إلى الأمام، ولكن بالوقت نفسه على الجهات المعنية بالأمر أن توفر سبلاً سهلة للوصول إلى رغيف الخبز.
بكل محبة: ثمة سوء في تصنيع رغيفنا، وهدر كبير في الإنتاج، وليس الأمر كله من المستهلك، هل تفكرون بصناعة رغيف حقيقي، وتأمين سبل وصوله بكرامة للمواطن، فما من أحد يتوق للانتظار ساعات وساعات أمام الأفران؟.