قد تتعدد الآثار كما تتعدد الأيام، فهناك من يبكي عليها.. وهناك من يبكي منها.. وكثيرون يأخذون الدروس من تجاربها التي مرت بهم فيتعلمون منها كيف يرسمون طريقهم في الحياة.
غير أن الطرق في الحياة متشابكة ومعقدة وليس بمقدور كل إنسان أن يقرأ الخريطة بشكل صحيح، لأن ذلك يعتمد على ثقافته ووعيه وموروثه الأخلاقي والبيئي وما ترسخ في ذاكرته من عادات وتقاليد وقيم تربى عليها.. غير أنني أجد أن الحرب التي لا تزال تدق أوتادها في الذاكرة.. لدرجة أن الكثير من السوريين تخلوا عن هذه القيم وفجروا كل ثوابتهم المجتمعية في لحظة طيش.. فهناك من يعتقد أن السلاح يحميه.. فتراه مدججاً بالسلاح والعنتريات ليتحول إلى رجل صدامي خطير على نفسه وعلى المجتمع، إضافة إلى ذلك، فقد ساعدت الحرب على تشكل طبقة جديدة من اللصوص والأثرياء وأذناب الزعماء الذين ينطبق عليهم المثل القائل (كلب الزعيم زعيم).. وبالتالي تحولت كلاب بعض الزعماء الفاسدين إلى حالة أخطر بكثير من الزعماء أنفسهم، فصاروا يتصرفون على شاكلتهم وربما بشكل أكثر فساداً وأذى للذين حولهم من المواطنين البسطاء الذين يرسلون أولادهم ليحاربوا العدوان ويستشهدوا لأجل سورية، بينما الأذناب الفاسدة التي تلبس لبوس معلميهم يكدسون المال ويهددون العباد ويضربون بسيف الزعيم دون أن يدري ذاك الزعيم أو يعرف ماذا يدور من ورائه.. لدرجة أن هذه الطبقة من أثرياء الحرب صارت ظاهرة معروفة في الشارع السوري.. وهي ظاهرة خطيرة جداً وتحتاج إلى لجم أو ترحيل وقلع لأوتادها وجذورها الضارة التي تسيء للشرفاء وللأوفياء لهذا الوطن.. كما تسيء لبعض الزعماء المحترمين الذين لن يقبلوا بهذا الشذوذ المادي والاخلاقي ونهب القطاع العام والخاص أحياناً – على عينك يا تاجر – باسمهم، أي باسم مشغليهم، وخاصة أن هذه الطبقة من اللصوص الصغار تكون عادة من صغار الموظفين.. كحراس وسائقين وغيرهم ممن لا يحملون أكثر من ابتدائية.. ولكن المفارقة أن المجتمع يفاجأ بتصرفاتهم وسلوكهم وامتلاكهم للمال والعقارات والسيارات وتهديدهم لكل من يعيق غيهم ويقف أمامهم ويذكرهم بالقانون الاجتماعي والأخلاقي والديني الذي يحكم العلاقات بين الناس.
وللأسف.. دائماً هذه الطبقة تقدم الحقيقة المشوهة.. فيضيع الحق.. ولا يجد من يدافع عنه خوفاً من البطش أو زهداً.. يعني بالترغيب أو بالترهيب.
وتمضي السنة.. وتموت الحقيقة.. وتتسع دائرة هذه الطبقة الخطيرة التي لا تقدم شيئاً للوطن والتي ليس لها أي منفعة سوى أنها ملتصقة بمسؤول ما مشغول بقضايا أكبر من قضايا التفاصيل الموجعة. لكن هذا لا يدعو إلى الاستسلام لهيمنة الجهل.. فكثير من القادة والزعماء وكثير من كبار التجار لا يقبلون بذلك ولا يساندون هذه الفئة - المتغولة – التي صارت أكثر من الهم على القلب، لأنها تتحدى القانون والمعايير وتعتبر أن أحداً لا يستطيع إيقافها.. وتدعي بأنها على حق وأنها قادرة أن تفعل ما تشاء وتحصل على ما تشاء.
وحقيقة الأمر أن الناس تعرف الصالح من الطالح.. وتعرف أن بعض الذين ينفقون المال ليس حباً بالله وليس شفقة على الطبقة الفقيرة، بل يكون هذا الإنفاق مدعاة للمفاخرة «وشوفة الحال» وتصنيع زعامة وهمية، مع أن التاريخ يثبت أن الزعامات لا تكون إلا لأصحاب العقول وأصحاب الأخلاق العالية والأيدي النظيفة.. لكن قد لا تجابه الناس تلك الحالات الشاذة التي تمر بنا كلنا لأنه لم يعد لنا جلد على المماحكات والنكايات.. فالسوريون تعبوا وفقدوا القدرة على الصبر، وما عاد يعنيهم سوى لقمة العيش والسلام والهدوء في حياتهم وقلوبهم، مع إدراكهم أن هذه الطبقة تسرق خبزهم ودمهم وإلا كيف يستطيع رجل شبه أمي أن يمتلك مئات الملايين خلال سنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ؟ إن العقلاء يصمتون لأن مصير هذه الفقاعات إلى زوال.. لكن مع الأسف.. قد لا تزول حتى تصنع ندوباً في القلب وعطباً في الرؤيا، غير أنهم
سيرحلون بلا أسف كما ترحل السنة المتعبة.. وكل عام وسورية والشرفاء بألف خير.