هي من العوامل التي أدت وتؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة في أغلب المجتمعات وعلى وجه التحديد في العالم الثالث والبلدان الفقيرة وخاصة في قارتي آسيا وإفريقيا.. كل هذا الكلام قد يكون معروفاً ومألوفاً ولا يضيف جديداً. غير أن الجانب الذي قد يكون محجوباً عن شرائح واسعة من المجتمع، أن الذين نصادفهم يتسولون على الأرصفة وفي الأماكن العامة ليس بالضرورة أن يكونوا فعلياً من أصحاب الحاجة أو لأنهم فقراء ويتطلعون فقط إلى تأمين نفقات الطعام أو الملبس أو فواتير الطبابة وسواها من الحاجات الضرورية، وإنما هناك شبكات تقوم على تشكيل مجموعات بعينها من النساء والأطفال وحتى بعض كبار السن كي تقوم بمزاولة هذا العمل بشكل منظم ومبرمج وفي أماكن محددة من المدن والأحياء، مقابل حصول كل طرف على حصص بعينها من المال في نهاية يوم كامل من العمل، والذين يشرفون على هذه الشبكات، غالباً ما يقومون وبطرق ملتوية بمهام حماية المتسولين في حال تعرضهم لمشكلات أو ملاحقات من هذه الجهة الرسمية أو تلك، خاصة أن هناك مرجعيات رسمية بعينها مثل وزارة العمل وما ينضوي تحت لوائها من المؤسسات الاجتماعية، كانت وما زالت تعمل على ملاحقة المتسولين ومنع حضورهم الكثيف في بعض الأحياء الحيوية من المدن، وعلى وجه التحديد ضمن المناطق التي يتواجد فيها السياح، حرصاً من المرجعيات الرسمية على ألاّ يترك هؤلاء انطباعاً بوجود أعداد كبيرة من الفقراء تغيب عنهم الرعاية الحكومية المفترضة.
قد يستغرب البعض لو قلنا، إن ما يكسبه بعض المتسولين وفي يوم واحد قد يصل إلى آلاف الليرات، ويلعب الذكاء والدهاء والحنكة في هذا الجانب دوراً محورياً، وغالباً ما يكون الكذب بوابة ملح المتسولين، فبقدر ما يكون مقنعاً في جذب استعطاف وشفقة الناس بقدر ما يحقق حصاداً مغرياً من المال، وأحابيل الكذب وفنونه وحدها لا تكفي، وإنما لا بد من إقناع الطرف الآخر الذي هو موضع السؤال والاستجداء بحقيقة حاجته الماسة للمال، فالمتسول العادي الذي ينتمي إلى فئة الشباب ولا يشكو من عاهة مستدامة قد يكون الأقل حظاً من بين المتسولين وربما بالكاد يتمكن من تحصيل ثمن علبة السجائر وما يحتاجه من طعام ونفقات وسائط النقل، بينما من يمتلك عاهة مستدامة مقنعة وواضحة للعيان ولا تحتمل التشكيك ولا تمت إلى التمثيل أو التصنع بصلة، فأمثال هؤلاء غالباً ما يتمكنون من استدرار عطف الناس إلى حدود كبيرة جداً، لكن على الأغلب لا يستفيدون من المال الذي يجمعونه، لأن هناك من يشرف على رعايتهم الصحية والمعيشية بشكل مباشر ويقوم بمهام إحضارهم ومغادرتهم في الصباح والمساء بل وحتى مرافقتهم إلى المطاعم أو المنتزهات، وبعض أمثال هؤلاء إن لم نقل جميعهم يقومون بهذا السلوك ليس لأنهم يرغبون بفعل الخير وإنما بسبب ما يحقق لهم صاحب هذه العاهة أو تلك من مكاسب مالية قد تتجاوز رواتب ليس أقل من ثلاثة أو أربعة موظفين.
التفاصيل التي تحدثنا عنها لا تعني أن غالبية المتسولين يخترعون العاهات أو أنهم لا ينتمون إلى شريحة الفقراء.فهناك من هم فقراء بالفعل وبأمس الحاجة لتوفير نفقات شراء خبزهم اليومي وما تتطلبه حاجات أولادهم، وأمثال هؤلاء لهم ظروفهم والتي قد تبدأ من موت معيل العائلة في وقت مبكر ولا تنتهي عند حدود عدم قدرة رب العائلة على العمل لأسباب وظروف صحية ما يشجع أطفالهم على ترك مقاعد الدراسة والوقوف على بعض شارات المرور أو بالقرب من دور العبادة.. وسواها من الأسباب التي يطول شرحها وليست بحاجة إلى كثير من الشرح. لكن تبقى هناك حقيقة تستوجب المعالجة وتتلخص في ضرورة حضور المؤسسات الإنسانية والاجتماعية الرسمية للوقوف إلى جانب من يستحق خاصة وأن أعداد المحسوبين على خط الفقر في تزايد مستمر، ولا بد في هذا الجانب أن تعمل الحكومة وبأسرع وقت على إحداث صندوق البطالة الذي من شأنه التقليل ما أمكن من عدد العائلات المحتاجة والتي في معظمها ضحية ليس للكسل وعدم الرغبة بالعمل، وإنما بسبب ندرة فرص العمل وغلاء متطلبات الحياة المعيشية.
marwandj@hotmail.com