وأكد على صحة هذه البيانات ما توصلت إليه مداولات قمة العشرين التي عقدت مؤخراً في الولايات المتحدة، إلا أن هناك معطيات أخرى تشير إلى عكس ما ذهبت إليه تقارير صندوق النقد الدولي واستنتاجات قمة العشرين، وتؤكد هذه المعطيات على أن الأزمة ما تزال مستمرة، وتبعاً لصحف أميركية وفي مقدمتها صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن المؤشرات السلبية التي تعاكس تقارير صندوق النقد الدولي تتمثل بالآتي:
أولاً، تراجع مبيعات السيارات، ويعزى التفاؤل السابق، سواء لدى صندوق النقد ومجموعة العشرين إلى أن مبيعات السيارات قد شهدت إقبالاً في الأشهر القليلة الماضية، ولكن هذا الإقبال جاء بفعل معونات حكومية لاستبدال السيارات، وما إن انتهت فترة القروض الميسرة، وهي أقرب إلى الدعم منها إلى أي شيء آخر، حتى تراجعت مبيعات السيارات الأمر الذي يؤكد أن الانكماش ما زال مستمراً.
فقد ارتفع إنفاق المستهلكين، الذي يشكل (70%) من الاقتصاد، في شكل حاد في شهر آب، إذ استفاد المستهلكون من حوافز لاستبدال سياراتهم بأخرى جديدة قدمتها الحكومة ضمن برنامجها العملاق للإنعاش الاقتصادي، ومع أن الارتفاع الذي بلغ (1.3%) كان الأعلى في ثماني سنوات تقريباً، لم ير خبراء فيه دليلاً على انتعاش بعيد الأجل في قطاع الاستهلاك، لأنه مع انتهاء البرنامج الحكومي الذي كلف ثلاثة مليارات دولار، أكد وكلاء لبيع السيارات تراجع المبيعات بشكل حاد في شهر أيلول.
ثانياً، تسجيل قفزة جديدة في طلبات الإعانة المخصصة للعاطلين عن العمل، فقد أعلنت وزارة العمل الأميركية أن البطالة ارتفعت إلى أعلى نسبة منذ حزيران (1983) عند (9.8%)، في حين تراجعت الوظائف بواقع (263) ألف وظيفة في أيلول، وهو انخفاض مقداره (180) ألف وظيفة، كما ازدادت الطلبات الجديدة للإعانات المخصصة للعاطلين عن العمل في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول الحالي بواقع (17) ألف طلب ووصلت إلى (551) ألفاً، وانخفضت مبيعات المنازل القديمة في آب بعد أربعة أشهر من الارتفاعات، وهذا يعني أن الاقتصاد ما زال في حالة انكماش قوي يشبه الانكماش الذي بلغ ذروته في الأشهر الأولى من هذا العام.
ثالثاً، تراجع غير متوقع في نشاط التصنيع، وحسب معهد إدارة التوريد فإن النشاط الصناعي تراجع في شهر أيلول الماضي على رغم استمرار ارتفاعه لكن ليس بالسرعة ذاتها التي عرفها في شهر آب. وأعلنت الأعمال أن الطلبيات الجديدة التي تلقتها تراجعت في شهر أيلول منها قبل شهر، فيما تراجع الإنتاج والأسعار، وقد انخفضت طلبيات البضائع المصنعة مثل الطائرات المدنية وأجهزة الكومبيوتر، وهذا التطور ما كان ليحدث لولا تراجع الطلب الذي عكسه واقع تراجع الاستهلاك، أي أن التقدم الذي حصل في شهر آب قد يكون مؤقتاً بفعل سياسات الدعم والإنفاق الحكومية.
هذه المؤشرات الثلاثة التي تتعلق بأداء الاقتصاد الحقيقي، أي الاقتصاد الإنتاجي، هي المؤشرات التي تؤثر فعلاً على مجمل أداء الاقتصاد، لأن انتعاش البورصة وتحسن أسواق المال مرتبط بمدى إقبال المستهلكين وتراجع البطالة وتزايد معدلات التصنيع، وطالما أن هذه المؤشرات تعاني من تدنٍ في أدائها، فإن أي حديث عن الخروج من دائرة الانكماش يكون متفائلاً وسابقاً لأوانه، الأمر الذي يعني أن بيانات صندوق النقد الدولي، ومواقف مجموعة العشرين كانت أقرب إلى التمنيات ورفع المعنويات منها إلى القراءة الموضوعية في حركة الاقتصاد الحقيقية.