تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جثــث ودمى

معاً على الطريق
الاثنين 19-10-2009
خالد الأشهب

عربي يقيم في أميركا ويبلغ 75 عاما , ظل لثلاثة أيام جثة هامدة على مقعد في شرفة منزله في لوس أنجلوس قبل أن تكتشف الشرطة أنه ميت ,

ودون أن يكتشف الجيران الذين شاهدوه أكثر من مرة أنه مجرد جثة !! ... والطريف المحزن في الأمر أن هؤلاء الجيران اعتقدوا أن جثة جارهم العربي العجوز هي مجرد دمية مخيفة , زرعت على الشرفة جريا على عادات الأميركيين في عيد الهالويين الذي يصادف هذا الشهر .. على ما جاء في الخبر بأمانة ودقة ؟‏

ليس مفارقة أن يموت المرء لسبب ما , سواء كان على الشرفة أم نائما أم في الطريق أم في أي مكان يدركه الموت فيه , وليس مفارقة أن يلتبس الموت وأشكاله على البعض , فلا يصدقونه أو لا يتوقعونه أو غير ذلك . لكن , المفارقة هنا هي طبيعة الظن الذي راود مخيلة الجيران حول جلوس العجوز إياه على الشرفة لأيام , فلم يخطر الموت في بال أحد منهم , بل لم يخطر في بالهم السوء أصلا !‏

الاغتراب , تلك المفردة التي تبدو سهلة بسيطة في لفظها وفهمها ومدلولاتها , والتي غالبا ما نفهمها بمعنى الابتعاد الجغرافي والمكاني , فنسمي كل من سافر بقصد العمل أو الإقامة الدائمة في بلاد الله الواسعة مغتربا , وننكر الغربة على كل من يقيم بيننا ونراه في الحي أو في مكان العمل أو في الشارع , فلا نعتقد أن ثمة من يغترب ويهاجر وهو بين أهله وأصحابه , ولا نصدق أن أحدا مات غريبا وهو بين اهله وأبناء جلدته .‏

وقد تكون الحرية مفردة نظيرة لمفردة الغربة , إذ نفهم البسيط من دلالاتها فحسب , أي حرية الحركة والوجود والحياة خارج قضبان السجن , وهو الدلالة الأكثر سذاجة على الحرية , في حين أن الكثيرين يحسون بالأغلال تقيدهم وهم طليقي الأيدي والأرجل , ويشعرون بانحسار طموحاتهم وأحلامهم رغم معارفهم المتراكمة وأفكارهم المتناسلة في كل لحظة .‏

مفردات ومفاهيم كثيرة شبيهة بالغربة والحرية .. نحتاج كثيرا إلى الغوص في دلالاتها الأعمق والأوسع والأرقى , على الأقل , كي نتمكن من تفسير بعض ما يحيط بنا ويؤرق يومياتنا , فتدفعنا إلى الاغتراب دون أن نسافر أو نبتعد , وإلى الظلمة دون أن تحيط بنا القضبان .‏

بعضهم يتحرك حولنا يوميا وفي معظم الأمكنة , يكذب ويدعي ويسرق ويأكل الأخضر واليابس ويغير لبوساته وأقنعته كما الموت , نشعر به ونتحسس حركته , وأحيانا نراه بأم العين .. لكننا أبدا لا نتوهم أنه مجرد دمية ؟؟‏

تعليقات الزوار

عبد الكريم البليخ |  a_albalikh67@hotmail.com | 19/10/2009 01:43

ما أروع ما يتفوّه به قلمك. اختصار في الكل، وهذا الاختصار الجزل، في المفردة، والجملة دليل أكيد على قوة الحبكة التي تجرف بها سيل من المعلومات، مع اضافة المعلومة الصحيحة والسليمة العبارات للقارىء المتابع. رائع يا استاذ خالد.. في اختيار كلماتك الجميلة المعبرة التي أفاخر بها، ورائع في تواضعك الجم. وما قلته سبق وأن شاهدته بأم عيني هناك في بلاد العم سام، وعلى وجه التحقيق في ولاية لويزيانا الأمريكية، وفي مدينة نيوأورليانز، أو كما يلفظونها العرب الأميركان، أو المتأمريكين نيوأورلين. أسلوب رائع، وأنا في الواقع متابع لكل كلمة تكتبها، لأنها وبصراحة، ينفرد بها القلب، وتذوب في شرايينه... سلمت يداك أستاذي العزيز،،،

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 خالد الأشهب
خالد الأشهب

القراءات: 1020
القراءات: 881
القراءات: 1111
القراءات: 1303
القراءات: 1362
القراءات: 2100
القراءات: 1431
القراءات: 1466
القراءات: 1530
القراءات: 1467
القراءات: 1483
القراءات: 1590
القراءات: 1743
القراءات: 1693
القراءات: 1595
القراءات: 1492
القراءات: 1672
القراءات: 1518
القراءات: 1537
القراءات: 1695
القراءات: 1585
القراءات: 1584
القراءات: 2432
القراءات: 1625
القراءات: 2484

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية