- العامل الأول, محافظة اقتصادات الدول النامية الأعضاء في المجموعة على معدل نمو مرتفع، ففي الصين ما زالت التوقعات تشير إلى أن اقتصادها نما بمعدل يتجاوز (8%) وكذلك حقق الاقتصاد الهندي نمواً مماثلاً, أما اقتصادات دول أخرى مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، فإن تراجع معدل النمو فيها لم يصل إلى مستوى ما هو عليه الحال في الدول الصناعية التي شهدت انكماشاً تراوح بين (2 و4%), وبالتالي فإن رهان الدول الصناعية يقوم على احتمال أن تلعب اقتصادات الدول النامية في مجموعة العشرين دور قاطرة الخروج من الأزمة الاقتصادية, وتجنب الوقوع بأزمة شبيهة بالأزمة التي عصفت باقتصادات تلك البلدان في ثلاثينيات القرن الماضي.
-العامل الثاني, تحتاج الدول الصناعية التي تعاني موازناتها من عجز تاريخي مزمن إلى السيولة لمعالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية, لاسيما أن السيولة المطلوبة أو التي ضخت بالأسواق المالية تجاوزت الخمسة تريليونات دولار, والرهان هنا معقود أيضاً على الصناديق السيادية لبعض الدول النامية الأعضاء في مجموعة العشرين لتوفير السيولة المطلوبة والحد من الآثار السلبية للانهيار المالي.
لكن مجموعة العشرين التي برزت كإطار دولي يحوز على القدرات والمؤهلات للتصدي للأزمة، لا تزال تواجه تحديات خطيرة تحول دون تحولها إلى إطار مؤسسي يوجه الاقتصاد العالمي, وبرزت هذه التحديات في الأمور التالية:
أولاً, عدم اعتراف الدول الصناعية بمجموعة العشرين كإطار مؤسسي لـه كامل الحقوق في توجيه الاقتصاد العالمي في كل الظروف والأوقات, وليس فقط الاستعانة بها للخروج من الأزمة الحالية, ولا تزال الدول الصناعية تصر على وجود مستويين من القيادة, المستوى الأول: هو الدول الصناعية الغربية والمؤسسات الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية وتهيمن عليه الدول الصناعية, مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي, أو ما يعرف بمؤسسات بروتون وودز, والمستوى الثاني مجموعة العشرين, وهناك رغبة واضحة لدى الدول الصناعية بأن تكون العلاقة بين المستويين قائمة على التبعية وليس الندية, أي استغلال قدرات الدول النامية للتخلص من الأزمة الحالية دون الاعتراف بحقوقها القيادية في توجيه الاقتصاد العالمي.
ثانياً: رفض الدول الصناعية إجراء تغييرات هيكلية لإصلاح النظام الاقتصادي العالمي والتصدي للأسباب العميقة التي تقف وراء الأزمات, وعلى الرغم من أن الدول الصناعية غير موحدة في رفضها للتغيرات الهيكلية التي تطالب بها الدول النامية, إلا أنها متواطئة فيما بينها للحفاظ على وجود مستويين داخل مجموعة العشرين، وهذا التواطؤ هو الذي يثير قلق أعضاء الدول النامية في هذه المجموعة وقد عبر عن هذا القلق الرئيس البرازيلي في مقال نشره مؤخراً بمناسبة القمة التي عقدتها مجموعة العشرين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة بترسبورغ الأميركية, حيث أكد على أن البرازيل التي اضطلعت بدور قيادي في الدفاع عن جهود تعزيز وحدة الصف داخل مجموعة العشرين كمنتدى للقادة بمقدوره التعامل بعقلانية مع الأزمة, مصدومة إزاء تردد الدول المتقدمة حيال إقرار مقترحات لإصلاح مؤسسات «بروتون وودز» وأكد الرئيس البرازيلي وجود مقاومة عنيفة لمساعي تعزيز قوة آليات المراقبة والإشراف على الأسواق المالية, محذراً من أن المصارف الدولية بدأت تعود إلى ذات الممارسات التي تسببت بالفوضى الأخيرة, ولاسيما تقاضي مديري المصارف رواتب مفرطة في ضخامتها في الوقت الذي فقد فيه ملايين الرجال والنساء وظائفهم, وأعرب الرئيس البرازيلي عن قلقه من ظهور مؤشرات على العودة إلى توجهات حمائية من قبل الدول الصناعية إلى جانب حالة الشلل الراهنة التي تعاني منها جولة الدوحة لتحرير التجارة.
وختم الرئيس البرازيلي مقاله بالدعوة إلى تكريس نتائج قمة لندن, أي قبول فكرة أن تحديات العالم المعولم لن يتم التصدي لها سوى عبر المشاركة النشيطة لكافة الأطراف, وضرورة اتخاذ القرارات على نحو يتسم بقدر اكبر من الشفافية والطابع التمثيلي, ولكن هل تستجاب دعوته أم ينجرف الاقتصاد العالمي نحو الفوضى في مهب تضارب المصالح؟.