المتحدة الأميركية في تعكس الاختلاف حول إستراتيجية الوجود والتأثير الأميركي - الغربي في العالم في العقود القادمة.
لا شك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخرج هذا النقاش والصراع من السر إلى العلن بالشكل الذي نراه اليوم، واتخذ قرارات في السياسة الخارجية الأميركية بناها على وعود قدمها في حملته الانتخابية، الأمر الذي استغله خصومه الديمقراطيون في شن حملات عنيفة ضده واتهامه بتقويض قوة وسمعة أميركا لحساب دول أخرى وفي مقدمتها روسيا.
إن انعكاس هذا النقاش الحامي الوطيس بين الجمهوريين المؤيدين لسياسة ترامب وبين الجمهوريين والديمقراطيين المعارضين أو المحذرين من سياسته في المنطقة يلاحظ في العديد من الملفات وخصوصاً في العلاقة الأميركية مع دول الخليج وفي الموقف من الوجود الأميركي في أفغانستان، وليس نهاية في القرارات التي اتخذها ترامب حول سورية بدءا من إعلانه قبل نحو عام عن قرب سحب القوات الأميركية في سورية والقرارات الأخيرة التي اتخذها بعد العدوان التركي على الأراضي السورية في شمال شرق البلاد، ومحاولة رئيس النظام التركي استبدال ميليشيات كردية تعمل بإمرة واشنطن بفصائل إرهابية تديرها تركيا.
صدى النقاش الأميركي وصل إلى الحلفاء الغربيين الذين لم يخفوا الحديث عن ضرورة إعادة ترتيب صفوفهم و مراجعة تحالفهم مع واشنطن لضمان مصالح شعوبهم لم نر صداه على المستوى العربي حيث ما زالت تسود الخلافات البينية وحالات التلاعب بمصائر الشعوب واستنزاف الموارد باستمرار التبعية لهذا الجانب أو ذاك .
لقد فتحت سورية بصمودها وانتصارها في الحرب على الإرهاب الباب على مصراعيه أمام إعادة بناء النظام الدولي من جديد بشكل عام والواقع العربي بشكل خاص، ولكن هذا يتطلب من الدول العربية تحركاً يتجاوز المخاوف والارتباطات القائمة إلى حالة يمكن من خلالها تخطي تحديات المرحلة الحالية وتبعات التورط في مشاريع عدوانية أسهمت في إضعاف العلاقات العربية وافتعال مشاكل بينية فيما بينها ومع الدول الإقليمية بما يصب في مصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي فقط.
كل الوقائع تضع الدول العربية أمام تحد وجودي و عليها الإسراع في فهم وقراءات التحولات الجديدة في العالم وصياغة سياستها على أساس مصالح شعوبها بعيداً عن الاستقواء بالأجنبي، ومن يعتقد أن التحولات على صعيد السياسة الأميركية أمر آني ومرتبط بوجود الرئيس الأميركي ترامب في السلطة فهو واهم، والصيغة الأميركية الجديدة للتعامل مع السعودية هي رسالة للجميع وهي غير كافية إطلاقاً لضمان الاستقرار في السعودية أو أي دولة أخرى.من غير المفهوم حتى الآن غياب التفاعل العربي الجمعي مع النقاش العالمي المتداول في مراكز صناعة القرار حول تراجع دور الولايات المتحدة على المستوى الدولي أمام روسيا الاتحادية والصين وتحالفات اقتصادية أخرى في آسيا خاصة، ولم يكن تعامل دوائر القرار في المنطقة بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كل من السعودية والإمارات يصب في الإطار الذي يدفع القوى السياسية لتجاوز ثقافة الخوف الأميركية - الغربية وهذا يجب ألا يفهم بأنه دعوة لاستبدال طرف بطرف بل لبناء دول قادرة على بناء نفسها وبناء تحالفات متكافئة في السيادة والقرار .
لقد قدمت سورية أنصع التجارب في استثمار كل إمكاناتها وتحالفاتها لمواجهة الحرب الإرهابية عليها، واستطاعت أن تفشل مشروعاً صهيونياً خطيراً لتفتيت المنطقة، ولكن هذا غير كاف للانتقال بالحالة العربية إلى وضع يسمح يتجاوز الشقوق الكبيرة التي حفرها الأعداء، ويستدعي المبادرة من الدول العربية الفاعلة لرؤية وقراءة التحولات الدولية بشكل عقلاني ووطني وليس بالاستمرار بخيارات خاطئة والمشاهدة الصادمة.