حينما ترتفع الغلّات والمحاصيل في دولة جنوب السودان الحديثة الولادة، فالفضل في ذلك لايعود إلى كفاءة الإنتاج في وحدة المساحة، كما يحدث في إسبانيا مثلً.الغلّات الوفيرة تأتي من التوسع العشوائي في الزراعة ومن سخاء السماء، وهذه الوفرة حينما تحصل، لاتكفي لسد أفواه الجائعين، فثمة عجز في الحبوب تعانيه الدولة يقترب من ثلث حاجة الجنوبيين السنوية من الحبوب والمقدرة بنحو مليون ومئتي الف طن.
الزراعة ليست بذورا مذراة في أرض مفلوحة.تحتاج لتكتمل السلسلة إلى طرق توصل المحاصيل الى المخازن، والى الموانئ والأسواق، أي تحتاج الى البنية التحتية التي وحدها, لو توفرت، لرفعت مؤشر النمو في الناتج الإجمالي المحلي لأي بلد بنسبة ثلاثة بالمئة، على ذمة الدراسات الاممية.
في بلد ممزق كالجنوب، يأكله التخلف والعَوز، كيف له أن يقيم نموه وموارد خزينته تنضب وتتآكل تباعاً ؟ وكيف له أن يتخلص من وباء الاستيراد، وهو قادرعلى ذلك لوفرة مياهه وخصوبة أراضيه والاضطرابات تمزق قلبه وجنباته لدرجة ان المساحة المزروعة لاتشكل الا نسبة أقل من خمسة بالمئة من المساحة الكلية للبلد.
تحسين حياة المزارعين يحتاج الى استقرار قبل أي سخاء مادي ينثره احد برامج الامم المتحدة، حتى لوتجاوز السخاء النصف مليار دولار دفعة واحدة. ثمة اولويات تأتي قبل التوصيفات. «الخضرة والماء» لايقودان دوماً الى «الوجه الحسن» .