| توقف قصير فرضته أحداث غزة وسامراء معاً على الطريق مع هذا الانفصام الرهيب بين النظرية والتطبيق وبين الشعارات والواقع لا بد من أن نلجم حماسنا وأمانينا وتمنياتنا ورغباتنا الى أبعد الحدود الممكنة وأن نكون واقعيين أكثر من اللزوم وأكثر من أي وقت مضى ليس بالمعنى البراغماتي بل بمعنى ألا تضللنا النظريات والشعارات المتكدسة والمتكلسة. وإذا كان الهدف الاستراتيجي العام لتنفيذ بنود ومضامين بروتوكولات حكماء صهيون هو تجزيء وتفتيت العالمين العربي والاسلامي وتيئيس العرب والمسلمين فإن علينا أن نجهد للحفاظ على شيء من الثقة والتماسك ضد هذا التيئيس وأن نؤجل إعلان كفرنا بمختلف أشكال المبادىء والنظريات ليس دفاعا عن توازننا الداخلي وعلى انسجامنا مع أنفسنا بل دفاعاً عن مستقبل الأولاد والأحفاد الذين أنجبناهم, فمهما كانت أحوال أوضاعنا النفسية فإننا مسؤولون عن إنجابهم, ومهما بلغ حجم تفززنا من هذا الواقع المنفلت من عقاله فإن سلامة الزورق الذي نركبه معهم هي في أعناقنا جميعاً, شئنا أم أبينا. لا بد أولاً من وضع حد لتداول مجموعة من المصطلحات المفرغة من مضامينها وعلى رأسها مصطلح (الأمة الإسلامية) لأن هذا المصطلح غامض وخطير من الناحية الاصطلاحية, فطالما أن المسيحيين واليهود والسيخ والبوذيين وغيرهم من الأديان لا يطرحون أنفسهم كأمة فعلى المسلمين ألا يفعلوا ذلك. ومع استعار حرب المساجد في العراق تتكشف الحالة المهترئة والبائسة والمهينة لمصطلح الأمة الإسلامية, فعن أي أمة إسلامية يتكلمون أمام هذا الفجور الذي لم يعد يرعى للإسلام أو مقدساته أي ذمة أو قيمة? وأعتقد أنه آن الآوان لوضع حد لهذه المهزلة العقائدية الفاضحة. وطالما أن الغالبية العظمى من المسلمين يضعون المذهب قبل الدين وطالما أن المذهب قد فرّخ مجموعة من المذيهبات والمدارس والطرق والطرائق والمشيخات فلن تقوم لهذا الدين قائمة. فعلى سبيل المثال فإن المذهب المالكي كأحد المذاهب الأربعة لأهل السنة والذي هو سائد في المغرب العربي كله جرى فرضه بقرار سياسي من قبل المعز بن باديس حيث نقرأ في ترجمته في الصفحة 233/5 من كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان مايلي: (وكان مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه بإفريقية أظهر المذاهب, فحمل ا لمعز المذكور جميع أهل المغرب على التمسك بمذهب الإمام مالك بن أنس, رضي الله عنه, وحسم مادة الخلاف في المذاهب واستمر الحال في ذلك إلى الآن). لكن المذهب المالكي فرخ المذهب التيجاني والذي فرخ بدوره مجموعة ضخمة من المذاهب التيجانية في القرن الإفريقي, وفي السودان على الأخص. ولقد لقيت مختلف المذاهب الإسلامية دعماً سياسياً على أكتاف الفقه والحقيقة فهل من أحد ينكر أن الوهابية كمذهب أو حركة إصلاحية تلقى دعماً سياسياً يجعلها تمارس نفوذاً لم يشهده أي مذهب أو حركة دينية أخرى?. قبل وبعد وضعي لأطروحة إسلام ما قبل المذاهب كان عندي سؤال منطقي بسيط يتلخص بالتالي: طالما أن المسلمين على كافة مذاهبهم ومدارسهم وطرائقهم ومشيخاتهم يصلون معاً في موسم الحج وهم متجمعون حول الكعبة المشرفة فلماذا يتشرذمون ويصلون في مساجد مذهبية وطائفية في بلدانهم? وهل من الصعب بناء مساجد يصلي فيها المسلمون على اختلاف مذاهبهم ومشيخاتهم موحدين تحت مظلة إسلام ما قبل المذاهب? ولقد طرحت هذا الموضوع علناً في أحد مؤتمرات التقريب بين المذاهب الذي عقد في طهران قبل حوالي تسع السنوات, حيث أكدت على ضرورة أن توضع كافة الاختلافات المذهبية جهاراً نهاراً على الطاولة وألا يتلطى المسلمون وراء مقولات وأقاويل مذهبية غير موثقة ومبنية على الأقاويل والخرافات. ولقد عبر لي الصديقان أحمد الحسن- سفيرنا في طهران آنذاك- وصلاح الزواوي سفير فلسطين في طهران عن خطورة تلك القنابل الموقوتة التي زرعتها في ذلك المؤتمر, لكن ما الذي حدث عملياً? كانت تعطى لنا في ذلك المؤتمر استراحة بين المغرب والعشاء ليصلي كل على مذهبه, ممجداً من يواليه فقلت لجمع من الأصدقاء أي معنى لهذا المؤتمر التقريبي بين المذاهب إذا كان المشاركون فيه لا يصلون جماعة? وحدث أن كنت أتمشى مع الصديق العزيز مرسل نصر أحد أبرز الشخصيات اللبنانية الموحدة (الدروز) ففوجئنا بصلاة جماعية كان يؤمها الصديق إحسان بعدراني. وبعد انتهاء الصلاة سألته كيف جرى الأمر فقال لي قدمت أحد إخوتنا الشيعة ليؤم الصلاة فرفض ودفعني إلى الإمامة وحدث ما حدث, بكل ذلك البساطة واليسر. إن علة القيادات العلمانية في رأيي أنها لم تستفد من نظرتها غير المذهبية والطائفية بحكم كونها سلطة علمانية ترى في الدين صلاة المسلمين في مسجد واحد بصرف النظر عن الإسلام الشكلي المفروض الذي لم يصل إلى حدود إسلام ما قبل ا لمذاهب. burhanboukhari@gmail.com
|
|