واي حظ عاثر يمكن أن يجمعني على طريق واحد مع رجل يستطيع ان ينهب مبلغاً مماثلاً لمبلغ الفستان إياه, كل شهر, وبالورق القانوني والاختام والتواقيع, فلا رقابة ولاتفتيش ولامن يحزنون, واي سوء طالع يمكن ان يحشرني مع من لايتردد في بيع قلمه او أقلامه واوراقه وأشياء أخرى, لقاء مساهمته في اختلاق اخبار ومعلومات, ثم نشرها وتوزيعها, خدمة لمن يستعدون ولا يترددون في إعلان حرب عالمية ثالثة ورابعة, وتحت عناوين كبيرة مثل توطين الديمقراطية, أو حتى استنبات الحنطة على سطح المريخ !!
هذا مجرد غيض فحسب, لكن الفيض يأتيك حين تطلب من عامل الديجيتال الخبير, وتحت إلحاح الاولاد, ان يعيد لك توليف الجهاز وقنواته, وتضطر بدورك لأن تتابعه وهو يستحضر قنوات الاقمار المختلفة المتعددة, فترى عجباً, ولاترى سبباً, اللهم إلا إصرار البعض على رفقتك لهم على تلك الطريق الواصلة بين الفساد والانهيار.
فضائيات عربية بالمئات, وإعلام عربي يطبق الآفاق, يملك المال الوفير والتقنيات الحديثة المذهلة, والأدوات والوسائل, ومن ضمنها الكادر البشري, يكفل لك الوصول آمناً وسريعاً جداً الى الحضارة والبذخ والرفاهية, وأنت مسمر أمام هذه الفضائية او تلك, سواء كنت تسكن وتستقر في ابي رمانة ام تمارس هواية الترحال والانتقال شبه الدوري بين حواري الدويلعة ومخيم جرمانا او عش الورور. مئات الفضائيات كلها ترقص وتغني وتتعرى وتشعوذ وتفسر الأحلام وتشفي الأمراض العضال وتقرأ المستقبل بمايربك حتى جورج بوش, تأخذك أمامها الألوان والأضواء وبروزات من تتمايل كما لو انها ترقص, أو منخفضات من تزعق وتصيح كما لو أنها تغني, ثم تأتيك إحداهن لتلطمك بكل رصانة وجدية على وجهك حين تقول للمذيع .. انا لاأغني, بل أؤدي ??
هؤلاء جميعاً بفضائياتهم وأموالهم وبروزاتهم ومنخفضاتهم يحشرون أنفسهم معك على الطريق, أي على طريق الإعلام, وما أسهل السحب والتعميم هنا بينك وبينهم, حتى لتبدو في نهاية النفق وكأنك المتطفل اليتيم على موائدهم العامرة بكل شيء سوى الإعلام وما يمكن أن ينضوي تحت عناوينه من الجدية والهدف والرصانة وحتى الأخلاق, ناهيك عن الوطنية والقومية التي باتت بالنسبة اليهم مجرد مستحاثات او قواقع متحجرة.
أنت وهم إعلاميون على طريق واحد, بل وحين تجري التصانيف والتبويبات لاتجد لنفسك مكاناً بينهم ولا على ذلك الطريق, فترتد الى أوراقك وافكارك ومبادئك متسائلاً عن الزمن الذي تعيش.. هل هو قبل الميلاد والهجرة أم بعدهما, وكم ثقباً بات في قربتك حتى لم تعد تصلح لنفخ أو ترقيع.
قطعاً, لسنا على الطريق نفسها, ولن نكون, مادام المال منفلتاً على هواه, ومادامت الغرائز تحتل مواضع الحكمة والعقل, ومادام لصاحب المال هيئة تشبه هيئة أحسن التقويم دون احتساب لعقل أو أخلاق أو منطق, أو حتى هدف وقضية. لسنا على الطريق وأجري على الله وليس غيره من دهاقنة الإعلام, أولئك اللاعبون بالبيضة والحجر, حيث لا رنين لما يسمعون سوى رنين الملايين ولو على حساب الأوطان والأمم والشعوب.