تكون شاهدا حقيقيا على بعض الممارسات المخربة او الصفقات غير المشروعة لا في ارض ولا في سماء, لكنك, لاتفعل شيئا, بل لاتستطيع ان تفعل شيئا, لا لأنك تريد او لاتريد, ولا لأنك مشارك او بريء مماترى وتلمس, بل ولسبب بسيط, ليس لديك ورق, اي ليس لديك وثائق الادانة والاتهام من اوراق ووثائق !
الورق, قرينة الادانة الوحيدة العجيبة في بلدنا, ورغم توفر كل القرائن الاخرى, فإن الورق هو وسيلة الفاسد بتمرير الفساد, مثلما هو وسيلة من يحارب الفساد في اثبات الفساد, هو بساط الريح الذي يمكن ان يحمل البعض الى الاعالي او ان يسقط بالبعض الى المهاوي, فإذا اجاد الفاسد (تظبيط) الورق فلن يكون فاسدا ابدا بنظر القانون, ولن تكون لديك القدرة او المشروعية لتتهمه او تطالب بمحاسبته .. حتى ولو كان الفساد يلفه من رأسه الى اخمص قدميه, هذا بالنسبة الى الفساد المتصل بالورق, اي المشروعات والصفقات والتعهدات وغيرها, اما الفساد اليومي الشفهي المتصل بالرشاوى وبغض النظر او التعامي, كالمخالفات السكنية ومخالفات السير والاسعار ومخالفات المواصفة والجودة وتسيير المعاملات وغيرها كثير كثير... مما يتم في وضح النهار بأرقام ضئيلة لكن بكميات كبيرة, فحدث ولاحرج, فلا ورق فيها للادانة ولا ورق للبراءة, وكل منا يدفع مثل هذه المبالغ وينساها بعد دقائق, فهي كالبلسم السحري, ومعها تصغر المخالفة ولو كانت جبلا الى حبة خردل .
بالطبع, ليس للورق كل هذه القدرة السحرية في اثبات الفساد او عكسه, لولا انه الوسيلة الوحيدة تقريبا لاثبات الفساد او عدمه, ولولا ان مكافحة الفساد والحرب عليه تقتصر على هذا السلاح ذي الحدين رغم ان الفاسد الغبي هو وحده الذي يسقط في احابيل الورق, فيما الفاسدون الاذكياء وهم الاكثرية للاسف,(يظبطون) اوراقهم وبدل ان يوقعهم الورق في المصيدة, يوقعونه هم في مصيدة ادعاءاتهم بالوطنية والالتزام والامانة, بل ويصير شاهدا غير قابل للدحض على نظافة كفهم ولو كانت مغموسة حتى الرسغ في وحل الفساد .
لابد ان تكون ثمة طريقة او طرائق اخرى غير الورق, لكشف الفساد ومكافحته على الورق وخارجه, وإلا فالمصير الذي انتهى اليه الجاحظ, خير مثال على خطورة تكديس الورق !!