مقابل غياب أو تغييب متعمّد وربما ممنهج للخطر الذي تشكله البؤر الموازية للتنظيمات الإرهابية التي تجسدها الميليشيات، والتي نشأت على جذر المشروع الإرهابي ذاته ومن داخله، وربما كانت في بعض مظاهرها أكثر خطورةً بحكم الوجود المادي على الأرض والتشكيل البنيوي الداخلي.
غير أن ذلك لم يستطع في لحظة من اللحظات وفي كل الظروف، أن يخفي الخطر القائم في حساب المحاكاة السياسية والرصيد الذي تحتله داخل مكونات المشروع الإرهابي، وبرز أحد أكثر الأورام الناتجة عن التشوهات وبيع الأوهام التي حصلت في المقاربات السياسية حول أدوارها ومستقبلها ووجودها على الخريطة الميدانية، وعلى المشهد السياسي لإنتاج التحالفات النهائية، أو شبه النهائية الناتجة، بما فيها التحالف الأميركي التركي ومآله.
ممارسات ميليشيا قسد ومستنسخاتها لم تعد تقتصر على دور الارتزاق السياسي والخيانة الموصوفة في التعامل مع إسرائيل، ولا على نهب النفط السوري، ولا في سرقة الثروة الحيوانية من الفلاحين بعد التنكيل بهم وفرض الأتاوات، وإنما في دورها سابقاً ولاحقاً في تنفيذ الأوامر الأميركية، وصولاً إلى ما يعوّل عليها في تلك التحالفات المنتظرة، والتقاطعات التي تشكلها مستقبلاً.
فالاستطالات المرضية والتورّمات في الدور والموقع والهدف والأجندة قد تعيد طرح الأسئلة المؤجلة، لكنها أيضاً تعجّل بإعادة صياغة الكثير من المقاربات حول النهايات التي تنتظرها، بعد أن باتت «ظاهرة» تحاول أن تقدم نفسها بصورة تختلف عما سبقها في دور الوكيل الأميركي والآمر باسمه والمتحكم بمفردات المشهد داخل وخارج تلك التحالفات.
الوقائع تعيد التجارب السابقة جميعها، وتعيد أيضاً معها كل المراجعات التي مضت باعتبارها جزءاً من إرث سياسي، يكاد يكون متطابقاً في مكوناته، رغم اختلاف الظرف التاريخي والعلاقات الدولية وتوازنات القوى في المشهد الإقليمي والدولي، حيث ما ينطبق على ذاك، يبدو جلياً أنه يصلح هنا، وما آلت إليه النتيجة قابل للتكرار.
الفارق الوحيد أنه حتميٌّ ومستعجل، ومن الأمور التي لا تحتمل التأجيل، وأن الانشغال أو خطف الأضواء عنها وعن ممارساتها وتورّماتها واستفحال الكثير من أورامها لا يعني أنها ليست تحت الرصد والمراقبة.
والاختلاف قد يكون في توقيت المقاربة، وفي توقيت التعاطي الذي بات لزاماً إعادة النظر فيه من باب أولويات درء الخطر الداهم، والخطر الأكثر وضوحاً، والخطر الأكثر توظيفاً داخل منظومة دعم الإرهاب، وضمن حسابات المشروع الأميركي ذاته.
تبدّل الأولويات لا يعني بحال من الأحوال تراجع المعالجة الميدانية للإرهاب بشكله المباشر، ومن خلال الاستمرار بمحاربة التنظيمات الإرهابية حتى استئصالها، بل كل ما يعنيه وببساطة شديدة أنه قرَّب الآجال، وعدَّل في التوقيت، وغيَّر في أسلوب المعالجة، وما كان متروكاً للسياسة بات عديم الجدوى معها، وما تنعدم معه السياسة، لابدَّ أن يكون الخيار الوحيد المتاح هو المعالجة بغير السياسة، فحين يستفحل التورّم ويتورم الوهم يصبح الحلّ بالاستئصال حاله حال الإرهاب..!!
a.ka667@yahoo.com