فإذا كانت الخشية من العقوبة هي السبب في الالتزام بتنفيذ القانون كان وعي القانون متدنيا , واذا كان غياب العقوبة لايعيق تطبيق القانون كان الوعي متقدما وعاليا, ومثل هذه المفارقات يمكن تصنيفها في خانة معايير الحضارة ومقاييسها .
واذا كانت هذه المفارقة بين القانون ووعيه حاضرة وصحيحة , وهي كذلك بالفعل, فإن التعويل الكامل على سن القوانين كحلول , لايعود مجديا وذا نتائج تطابق المقدمات, لاسيما في القوانين التي تمس مباشرة العلاقة بين المواطن والدولة , وبالتالي , لايعود الحديث عن استكمال البنية القانونية والتشريعية لأية عملية تغيير او تحديث , كافيا للجزم بأن قطار التغيير بات جاهزا وماعلينا إلا الانطلاق وجني الثمار !
لذلك , فإن المستوى المتدني للوعي العام يجهض القانون , أي قانون , والمستوى المرتفع لذلك الوعي يثمر القانون ويبلوره سلوكا عاما , سواء حضرت عقوبة عدم الالتزام ام لم تحضر . ولعل هذا الامر ( المفارقة ) يدعونا جميعا , وخاصة مجلس الشعب , الذي يمكن اعتباره الرحم الاول للقوانين والتشريعات , للانتباه الى ضرورة التوازي بين مسارات الوعي العام او وعي الاغلبية على الاقل , وبين مسارات صوغ القوانين والتشريعات ونصوصها .
ليست هذه دعوة الى الهبوط بالقوانين والتشريعات الى مستويات الوعي المتدني, ولا الى الارتفاع التعسفي عن هذه المستويات وتركها , طالما ان الالتزام بتنفيذ القوانين رهن بمستويات الوعي , بل انها دعوة للارتقاء بالوعي ومستوياته الى حيث نرتب القوانين والتشريعات , أي البحث عن صياغات نصوص للقوانين والتشريعات تأخذ بالاعتبار مايتطلبه تنفيذها وتطبيقاتها من وعي عام , هو في المحصلة شرطها ومدخلها وإلا تحولت القوانين والتشريعات الى عابر سبيل لايلبث ان يحل حتى يرحل , وهذا شأن الكثير الكثير مما انجزناه من النواظم والقوانين حتى الآن !!