تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


النقد الدولي والأزمةالعالمية وسـبل الحل

اقتصاديات
الخميس 8-1-2009
حميدي العبد الله

صندوق النقد الدولي الذي عكس هيمنة الأيديولوجية الأميركية عليه منذ تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية, اعتاد تبني وصفات شديدة الليبرالية عند اقتراح الحلول لمعالجة الأزمات الاقتصادية,

وكان يدعو دائماً إلى خفض الإنفاق العام, أي الإنفاق الحكومي, وضبط توازن المالية العامة من خلال اعتماد سياسة التقشف.‏

وفسرت هذه الأيديولوجية بأنها النقيض للمدرسة الكينزية التي كانت توصي دائماً في مواجهة الأزمات الاقتصادية بتوسيع الإنفاق العام حتى وإن أدى ذلك إلى اختلال توازن المالية العامة, وكانت حسابات المدرسة الكينزية تقوم على خلاصة مفادها أن ضخ الأموال العامة في المشاريع الاقتصادية يعيد تنشيط الطلب ومكافحة البطالة, وتنشيط الدورة الاقتصادية, وكل ذلك من شأنه أن ينعكس لاحقاً بشكل إيجابي على المالية العامة عبر عائدات الضرائب ويمكنها من تعويض ما خسرته في السابق عند الإنفاق الحكومي.‏

ويبدو أن فعالية المدرسة الكينزية في مواجهة أيديولوجية صندوق النقد الدولي استمدت أهميتها وتفوقها من واقع التجربة, فالمدرسة الكينزية كانت ثمرة لجهد مركز لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي ضربت اقتصادات الدول المتقدمة في عقدي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي, وقد حققت نجاحاً حينذاك, ولهذا فإنها لا تزال تتمتع بقدرة على توليد الحلول أكثر بكثير من وصفات أيديولوجية صندوق النقد الدولي التي كانت وراء خراب الكثير من الاقتصادات التي أخذت بها, وخاصةً في عقد التسعينات, حيث أرجع خبراء كبار على رأسهم جوزيف ستيغلتيز الحائز على جائزة نوبل بالاقتصاد, انهيار اقتصادات دول عديدة, وخصوصاً في أميركا اللاتينية, جراء التزامها الحرفي بإيديولوجية وصفات صندوق النقد الدولي.‏

اليوم يبدو أن خبراء صندوق النقد الدولي ذاتهم سلموا أخيراً بصحة المدرسة الكينزية وفعالية حلولها في مواجهة الأزمات الاقتصادية, وخصوصاً الأزمة الحالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي وتشبه أزمة عقدي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.‏

ففي أحدث تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي مؤرخ بتاريخ 29 كانون الأول عام 2008 شدد لأول مرة في تاريخه على أهمية ما أسماه الحاجة إلى دفعة تنشيطية مالية, مشدداً على أن «الهبوط الكبير في مستوى الطلب يستلزم دفعة تنشيطية كبيرة من المالية العامة» ينبغي أن تركز هذه الدفعة على «الإنفاق والتخفيضات الضريبية» وهذه عينها الاقتراحات التقليدية التي تتبناها المدرسة الكينزية في سياق تصديها للأزمات الاقتصادية عندما تقع هذه الأزمات, وفي السياق اقترح خبراء الصندوق تبني سياسة فعالة في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية تستند كما يقول هؤلاء الخبراء على استخدام السياسة النقدية لزيادة الطلب, وهو ما يتناقض مع جوهر مدرسة وأيديولوجية صندوق النقد القديمة.‏

ويبرر خبراء الصندوق هذه السياسة بالقول إن هناك انكماشاً متواصلاً في ساحة التيسير النقدي المتاحة, لأن أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية تقترب من الصفر في بعض البلدان, وكانت أسعار الفائدة الوسيلة الوحيدة التي يقر صندوق النقد الدولي باعتمادها في التصدي للأزمات, ولكنهم اليوم يعترفون بإفلاسها, أو على الأقل عجزها عن التصدي للأزمة الراهنة, ويعتقد خبراء الصندوق أن الرهان الآن معقود على إجراءات للحد من تراجع الطلب والناتج العام, واعترف خبراء صندوق النقد بخطأ مدرستهم السابقة, ولكنهم برروا ذلك بالقول: إنه من الطبيعي في الأحوال العادية أن يوصي صندوق النقد بتخفيض عجز الموازنة وحجم الدين العام, لكن الظروف الراهنة ليست عادية, وميزان المخاطر اليوم يختلف تمام الاختلاف, علماً أن التوصيات السابقة الخاطئة لصندوق النقد كانت مكرسة لمعالجة أزمات بلدان محددة, ولكنها تعاني من مخاطر لا تقل عن مخاطر الأزمة الاقتصادية الحالية, بيد أن الأزمات السابقة كانت محصورة في الدول النامية حينذاك, في حين أنها الآن تضرب الدول المتقدمة التي تهيمن على صندوق النقد الدولي.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 08/01/2009 08:32

في اقتصاديات الدول النامية أو المتخلفة (لافرق عمو ما), فإن سياسة الغرب والمستجاب لها من نخب الرجعية في هذه الدول هو مايخلق لها الأزمات الإقتصادية, وتاتي توصيات صندوق النقد الدولي والتي هي أشبه بأمر وحصار لتعميق الأزمة وإدارتها دون حلها, مما يسمح ببقاء هذه الدول في دائرة التبعية للغرب الأقوى تستهلك الغث ولاتنتج الثمين, وتكون جاهزة في صناديقها لتغذية دوائر الغرب إن وقع بأزمة. أما الغرب فعند أزماته الكبرى يسارع لتطبيق ماحرمه علينا.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 حميدي العبدلله
حميدي العبدلله

القراءات: 1148
القراءات: 1488
القراءات: 961
القراءات: 2982
القراءات: 1152
القراءات: 1017
القراءات: 1501
القراءات: 3476
القراءات: 1085
القراءات: 945
القراءات: 1811
القراءات: 1249
القراءات: 5184
القراءات: 1233
القراءات: 4492
القراءات: 2007
القراءات: 1094
القراءات: 2129
القراءات: 3111
القراءات: 1101
القراءات: 1776

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية