| قصة الشعر 3 الموسوعة الشعرية الشاملة معاً على الطريق بتاريخ 15/11/1995 نشرت مقالاً في صحيفة تشرين تحت عنوان (مجلس الشعب والامتحان ) تناولت فيه مسألة ضرورة انغماس مجلس الشعب في معالجة المسألة التعليمية وانتزاعها من براثن الاختصاصيين وكسر طوق الاحتكار الذي تمارسه وزارة التربية والتعليم عليها واعتبارها مسألة سياسية بالدرجة الأولى. فمهما طال الزمن لا بد من ربط التعليم بأهدافه وعلى رأسها الانتاج والتنمية المستدامة فكفى أبناءنا وبناتنا عنتاً ومشقة وضياعاً وتشتتاً في الحصول على الثانوية العامة واعادة التقدم اليها مرة أخرى للحصول على علامات أعلى والدخول الى اختصاصات مفروضة عليهم حسب نظام المفاضلة ومن ثم يأتي التخرج ومن بعده التسكع الى حين الحصول على وظيفة والتي بالكاد يغطي راتبها أجور المواصلات والحاجات اليومية. لا أعرف ما إذا كان ضمن لجان مجلس الشعب لجنة خاصة بالمسألة التعليمية وإذا كانت موجودة فلي الشرف أن اجتمع مع أعضائها لأمدهم بدراسات مستفيضة واقتراحات عملية ناجحة حول هذه المسألة. وإذا كانت هذه اللجنة غير موجودة ولا تتوفر نية لإنشائها فما علينا إلا أن ننتظر تشكيل مجلس الشورى الذي تحدث عنه الرئيس بشار الأسد لنرى ما إذا كان سيتناول مسائل حيوية على هذا المستوى. ويبقى السؤال الجريء الذي يطرح نفسه في المحصلة الأخيرة هو ما لزوم الشعر وما حاجتنا إليه وعلى الأخص الشعر الحماسي والقومي والسياسي والطبقي والايديولوجي الذي جعلنا نتعامى عن الواقع ونستخف بمعطياته ومكوناته ولا نتعرف حتى على مواقع أقدامنا ونستهزئ بالتالي بخفة بالاستعمار مرددين بعنترية عز نظيرها... باريز مربط خيلنا. أما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه فهو ما وظيفة العروض وما نفعه إذا كان عميد الأدب العربي!!! طه حسين قد نسف الشعر الجاهلي من جذوره واعتبره منحولاً ومزوراً ولماذا نفرضه كمادة سقيمة على طلابنا طالما أن شعراء أمثال نزار قباني وأدونيس ومن لف لفهم شنوا هجوماً لا يعرف الرحمة على الشعر العمودي المقفى وطالما أن غالبية شعراء الحداثة يكتبون نوعاً من الشعر الحلمنتيشي الذي لا علاقة له باللغة وبالشعر أصلاً ليكون له علاقة بالعروض. ثمة شيء جوهري وخطير حول الاهاب السوري فمن المتفق عليه أن سورية الطبيعية أو السياسية هي مهد القومية العربية وأن دمشق هي قلب العروبة النابض وأن محاولات عزلها اليوم من قبل الأعراب والمتأسلمين والمعادين للعروبة والاسلام هي بسبب هذه الحقيقة لكن سورية لم تقم بدورها كما يجب بمعنى تغيير البنية التراثية والثقافية والمعرفية للعالم العربي ولم تكن الثورات التي اندلعت فيها إلا نوعاً من الانقلابات العسكرية التي كانت تهدف الى استلام الحكم وتغيير الواقع السياسي من دون أي تفكير جدي وحقيقي وعميق بالثورة على التخلف الفكري والثقافي والتراثي والديني وبنسف الذهنيات المهترئة المتموضعة منذ قرون طويلة. وفي عام 1986 وبعد أن أمضينا ثلاث سنوات في تجربة البرنامج الحاسبي لتقطيع الشعر عروضياً خرجت باستقراء أولي أن ثمة أكثر من ثلاثة آلاف شاعر جاهلي وفي احدى الجلسات الاسبوعية الحميمية الخاصة مع توءم الروح الراحل عدنان بغجاتي قال لي اسمع يا صديقي إن أكبر متخصص بالشعر بالكاد يعرف مئة شاعر جاهلي.. اسمع مني وانشر أسماء هؤلاء الشعراء والى جانب كل شاعر بيت واحد فقط من شعره. كان علي وقتها أن آخذ اقتراحه بمنتهى الجدية,وانتهز هذه الفرصة لإعطاء بعض المعلومات عنه فإلى جانب كونه صديقا مخلصاً وغيورا وموضوعيا فهو خريج ادب عربي وعمل مديرا لثانوية جودة الهاشمي عام 1963 ثم مديرا للتربية ثم معاون وزير التربية ثم وزيراً للتربية وشغل منصب رئيس تحرير صحيفة الثورة ثم رئيس تحرير صحيفة البعث ثم اصبح رئيس اتحاد الكتاب وترجم ديوان الشاعر الاسباني العالمي لوركا ثم ترجم اشعار الهايكو اليابانية ولكل هذه الامور مجتمعة كان علي ان آخذ بنصيحته بمنتهى الصرامة والجدية وهكذا شرعت في تنفيذ المشروع الذي اقترحه. وبعد عدة اشهر من العمل رأيت ان المشروع شبه مستحيل فإذا اعتمدنا الترتيب الابجدي فإن لكل شاعر عددا من الاسماء والالقاب المختلفة والمصحفة والتي تعج بالتحريفات والأخطاء ووصلت بعدها الى نتيجة انه لا يمكن الا اعتماد مبدأ التسلسل التاريخي والذي يخدم في الوقت نفسه مشروع المعجم التاريخي للغة العربية. وبما ان الجاهلية التي تمتد الى خمسة قرون قبل الهجرة تعتبر قطعة زمنية واحدة لدى كل الباحثين فلم يكن بالإمكان حل المشكلة إلا عن طريق وسائل اخرى مبتكرة وعلى رأسها علم النسب وهكذا انتقلت الى ميدان آخر الامر الذي لم يجد له معظم الاصدقاء تفسيرا او تبريرا مادفعهم الى اتهامي بالانتقال من دون لحظ الوشيجية القائمة بين هذه الميادين. وبعد عمل طويل على علم الأنساب توصلت الى قانون يتلخص بان كل ثلاثة اجيال تشكل قرنا واحدا,وبعد استخدام المشجرات الحاسبية المتطورة خرجنا بنتائج مبهرة منها على سبيل المثال ان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحفيد 21 لعدنان وان غالبية الصحابة هم في نفس الجيل بصرف النظر عن قبائلهم فأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد والزبير بن العوام ومئات الصحابة هم من الرتبة ذاتها أي الأحفاد 21 لعدنان,وكان من نتيجة ذلك إثبات ان معد بن عدنان قد عاصر المسيح عليه السلام كما اثبت بالوثائق الدامغة ان عدنان هو الحفيد العاشر لقحطان مايعني انتفاء وجود العدنانية والقحطانية او القيسية واليمانية التي احرقت بعصبيتها الاخضر واليابس. ولقد نشرت هذه الوثائق في عدد من الصحف والمجلات من دون ان يكترث احد بهذا الموضوع الخطير واكتشفت بعدها ان مؤامرات الصمت ناجمة إما عن تحالف الأغبياء والأدعياء والمرتزقة او عن ضعف الحيلة وانعدام الوسيلة وهشاشة البضاعة. لن اطيل لكنني ساكتفي باعطاء مثالا تطبيقيا واحدا على تلاحم الشعر و النسب فالجد الجامع لعائلة الشاعر طرفة بن العبد الذي مات حوالى عام 80 قبل الهجرة هو ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل , وبكر بن وائل هو أخو تغلب بن وائل واللذي قامت بين نسليهما كل تلك الحروب. ونسب طرفة بن العبد هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس , وأبو جده سعد بن مالك هو شاعر, وعمرو بن قمينة بن ذريح بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس صديق امرئ القيس هو شاعر وهو في نفس المرتبة النسبية مع طرفة بن العبد وعمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس هو شاعر أيضاً وهو في مرتبة عم طرفة والمرقش الأصغر بن حرملة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس هو شاعر وهو بمرتبة عم طرفة والمرقش الأكبر بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس وهو شاعر وهو في مرتبة أخو جد طرفة وجحدر بن ضبيعة بن قيس هو شاعر وهو بمرتبة جد جد طرفة وقد كان قائداً في حرب يوم التحاليق التي هي جزء من حرب البسوس الأمر الذي جعلنا نفترض بشكل علمي أن حرب يوم التحاليق جرت حوالى 190 قبل الهجرة. قد لا يصدق أحد أن ما بين أيدينا من شعر مجموع ضمن دواوين لا يعادل واحداً من عشرة آلاف من الشعر العربي وتصوراتي الأولية أن موسوعة الشعر الشاملة التي أقوم باعدادها ستحتوي على نصف مليون شاعر ولم لا طالما أن موريتانيا تسمى بلد المليون شاعر. وإنه لأمر مؤسف أننا في سورية لم نحاول جمع الشعر السوري أو الشامي وبصرف النظر عن أشكال الشعر في مختلف المحافظات فلقد أتيحت لي فرصة التعامل مع شعر الساحل والجبل عن طريق الصديق أحمد حرفوش الذي أكد لي وجود أكثر من نصف مليون بيت غير مطبوع. وبصرف النظر عن الشعراء العمالقة من أمثال بدوي الجبل ونديم محمد فلقد فوجئت على سبيل المثال بديوان الشيخ محمد حمدان الخير تلك القامة الشعرية الباسقة والمتميزة فديوانه المؤلف من 4873 بيتاً والموزعة على 286 قصيدة وعلى 9 أبحر هو قمة في الإدهاش. وأسارع الى القول إن ما يعنينا في الشعر هو الشاعرية والجزالة والفحولة وليس الأغراض والانتماءات فقد كتب أتباع الديانات الثلاث شعراً بالعربية على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم وكنائسهم وكنسهم وكتب الى جانبهم الملاحدة والزنادقة والماجنون.
|
|