أداة لإخضاع المنطقة وشعوبها وتحريف الدين وتشويهه رغم كل ذلك انطلقت معركة تطهير عرسال وفشلت الحرب الاستباقية في منعها. انطلقت المعركة بشكل فاجأ الإرهابيين وحماتهم في توقيتها وطبيعتها. ونجح إعلام المقاومة منظروها في إنتاج حالة ضبابية منعت على الإرهابين من توقع ساعة الصفر، كما عجزوا عن توقع المناورة أسلوبا وطبيعة ومحاور تقدم وطريقة عمل.
لقد حققت المفاجأة في إطلاق المعركة وطبيعتها الأهداف المطلوبة وقادت وبسرعة كبيرة الإرهابيين إلى الانهيار الإدراكي حيث لمسوا ان هناك منظومة ثلاثية متكاملة متراصة تحصي عليهم الأنفاس وتلاحقهم في كل اتجاه، منظومة توازعت الأدوار بين أركانها وتقاسمت المهمات وفقا لطبيعة الأمور والظروف والمواقع.
فاضطلع الجيش اللبناني بمهمة الحصار والتثبيت ومنع تسلل الإرهابيين او فرارهم من الجرود باتجاه الداخل اللبناني مها كان نوع التسرب او التسلل والفرار وحجمه وكان لمدفعية الجيش اللبناني دورا هاما في إقامة السد الناري الذي يقطع طرق تواصل واتصال المسلحين بعرسال وبمخيمات النازحين فيها،
أما الجيش العربي السوري فقد قدم بنيران مدفعيته البرية وطيرانه الدعم الجوي الكثيف والمؤثر الذي أحدث المفاعيل التدميرية المناسبة التي تفاقم الانهيار المعنوي لدى الإرهابين فضلا عن حرمانهم من الكثير من القدرات القتالية.
وتجلى دور المقاومة في عمليات الاقتحام والتطهير مقرونة بما لديها من قدرات نارية مميزة، حيث اعتمدت مناورة كما قلنا فاجأت الإرهابيين في نوعها وطبيعتها بعد ان خططت للامساك السريع بالنقاط الحساسة الحاكمة في عملية انقضاض مفاجئ مدروس تلت مباشرة القصف الناري الذي شاركت فيها قوتها الصاروخية والمدفعية في عمليات قصف مركز.
لقد شهدت معركة عرسال تكاملا بين الأطراف الثلاثة الجيش اللبناني والجيش العربي السوري والمقاومة التي يقودها حزب الله، وتم تنسيق العمليات القتالية من غير حاجة إلى غرفة «موك» او غرفة «موم»، (غرفتي عمليات العدوان على سورية بقيادة أميركية ومشاركة عربية وإقليمية من تركيا والسعودية ودول الخليج ) بل كانت غرفة عمليات معركة عرسال غرفة واقعية فرضتها طبيعة الميدان ولم يتوقف أصحاب المعركة وقادتها عند أصوات النشاز والاعتراض التي صدرت عن بعض اللبنانيين خاصة في تيار المستقبل وغيره، ومضى أبطال المقاومة غير عابئين بتلك الأصوات، وقام الجيش اللبناني بما رآه مصلحة ـمنيه دفاعية يحققها من أجل أمن لبنان واستقراره مؤكدا أن لا أحد من سياسيي الداخل من أولئك الذين أعمتهم أحقادهم وعمالتهم وارتهانهم للخارج قادر على ان يقيد الجيش في الميدان او يمنعه من أداء واجبه الوطني، فتجربة العام 2014 مضت مع مرتكبيها من سياسيين وغير سياسيين ووطويت ولن تتكرر في ظل وجود رئيس جمهورية مثل العماد ميشال عون وقائد جيش ميداني لا يقيم وزناً إلا لمقتضيات الميدان وسلامة جنوده وأمن لبنان.
إذن انطلقت معركة عرسال وجرودها بهذا الزخم والقوة والسرعة التي تعدت توقع من خططها وبات واضحا الأن أن النصر فيها محسوم وحتمي وبات في متناول اليد بعد ان حررت نسبة 70% من منطقة الأهداف في اقل من 3 أيام فقط.. نصر ينتظر القطاف ليضيف إلى انتصارات المقاومة ومحور المقاومة سفرا جديدا يحدث أثره في اتجاهات ثلاثة:
1. الأول على الاتجاه الإسرائيلي، حيث ستدرك إسرائيل جيدا ان كل محاولاتها لفصل لبنان عن سورية وامتلاك السيطرة على الحدود بين البلدين بواسطة جماعات إرهابية احتضنتها وفي طليعتها جبهة النصرة، ان هذه المحاولات الإسرائيلية انهارت كليا وما هي إلا أيام قليلة حتى يقتلع فيه آخر وجود إرهابي في السلسة الشرقية بين لبنان وسورية وتقطع اليد والأصابع الإسرائيلية التي حاولت العبث بها تحت حجج وذرائع واهية تدعي فيها إسرائيل أنها تعتدي على سورية لمنع انتقال السلاح الكاسر للتوازن منها إلى لبنان ومقاومته. وبالتالي فإن إسرائيل ستجد أنها فقدت الكثير الكثير في تطهير جرود عرسال من الإرهابيين.
2. الثاني على الاتجاه السوري، فتطهير جرود عرسال امتدادا إلى جرود فليطة السورية سيتكامل مع تطهير القلمون، ويخرج الريف الغربي لدمشق نهائيا مع القلمون كله من دائرة الأخطار او مصادر التهديد للعاصمة السورية من الغرب، وإذا عطفنا النتائج على ما تم توقيعه قبل أيام في القاهرة وإنشاء منطقة خفض توتر في الغوطة الشرقية لأمكن الوصول إلى مشهد سوري يقول إن العاصمة دمشق ومحيطها وريفها دخلت مرحلة جديدة ليس فيها تهديد او خطر يحسب له حساب.
3. الثالث على الاتجاه اللبناني، وهنا من الأهمية بمكان ان نتوقف عند أربعة مسائل ستكون حصادا للنصر في عرسال وتطهيرها من الإرهاب، بدءا بإراحة لبنان من خطر امني داهم، ثم تحرير ما يقارب 1/7 القوة القتالية للجيش اللبناني لاستعمالها في خطة منع تكون الإرهاب في لبنان واجتثاث خلاياه، ثم فرض الواقعية الأمنية والعسكرية نفسها في الميدان لجهة التعاون والتنسيق بين الجيشين العربي السوري واللبناني وأخيرا تشكل البيئة الملائمة لإعادة النازحين السوريين إلى بيوتهم بالتنسيق مع من يجب ان يكون التنسيق معه في سورية.
وفي الإجمال، إن عملية تطهير عرسال التي اضطرت المقاومة لبدئها بعد فشل كل محاولات الحل السياسي، هي عملية تطورت وتسارعت وشارك فيها الجيشان اللبناني والعربي السوري فرسمت مشهداً أمناً قتالياً عسكرياً تكاملياً وجّه صفعة قوية لأولئك الذين امتهنوا العداء لسورية واحترفوا إيذاء لبنان ومقاومته وأمعنوا في تحريف الدين وتشويهه وفرضت رغم انف من أنكر واقعا لا يستطيع أحد أن يوقف مفاعيله.
استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان