والأفكار المسبقة والمواقف المتشنجة , والالتزام الساذج بقضايا كبرى مزعومة ..
صحيح ماينعتون به تلك الأزمنة ولكن صحيح أيضاً آن هذا لا يستحق أي احتفاء , ذلك ان البدائل المتحققة إلى الآن ليست أقل تجهماً وكآبة ...
كانت معارك طائشة بمتاريس وخنادق متقابلة , ومع ذلك فقد كان ( المتقاتلون ) يملكون نعماً نفتقدها اليوم : هوية مؤكدة ,رؤية واضحة, أهدافاً محددة والأهم : قضية ما تتجاوز ذواتهم ينخرطون فيها ويقاتلون من أجلها ...
كان يكفي أن تختار خندقاً لتعرف من أي اتجاه تأتيك السهام وإلى أي اتجاه عليك رشقها ..
ما حدث بعد ذلك ... وإلى الآن ,هو أن هذه المعارك صارت أكثر عبثية , تشظت الأحلاف وتكاثرت الخنادق حتى صار كل خندق يضم فرداً واحداً فقط , وإذ حلت الأنا المتضخمة مكان الحزب , العقيدة , الفكرة فقد صار الهدف الوحيد خلف كل معاركنا الثقافية , هو أن يثبت كل منا أنه عبقري فيما الآخرون جهلة وأميون .
ترسم الصحف ومواقع الانترنت كل يوم مشهداً فنتازياً :
صراعات دامية تتمحور كلها حول صيغة وحيدة : ( أنا) وطني مخلص ذكي وعميق مقابل جميع الآخرين , الجهلة والخونة والسطحيين ..
كل منا هذا ( الأنا) وكل منا هؤلاء الآخرين وذلك تبعاً لمن يأتي دوره في استعراض بطولاته وأمجاده...
من مع من ضد من ومن أجل ماذا ..?? الأجوبة معلقة ريثما ينقشع غبار المعارك التي يخوضها فرسان عصر ما بعد الايديولوجيا ...