تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


« هل نحتار.. ونحن في عصر الأنوار؟ »

معاً على الطريق
الجمعة 17-6-2011
قمر كيلاني

الإنارة.. والتنوير.. والأنوار.. وما يشبهها أو يرادفها من كلمات واصطلاحات اخترقت جميعها حياة البشرية منذ قرون رغم أنها في توغلها السحيق بلغت بشكل غامض ما لا نعرفه أو تدركه الظنون. وكلما انبثقت ثورة ما في بلد ما قالوا عنها إنها تنوير..

وهكذا مرت الثورة الفرنسية وثورات أوروبية وغير أوروبية كلها تحت غطاء التنوير.. ورغم الانتكاسات التي تحصل بعد ذلك كما في عصر نابليون مثلاً ظل اصطلاح التنوير هو الأشمل والأكثر إضاءة. وتحت جناح هذا التنوير تبدلت معالم الحياة لا من حيث التقسيم الجغرافي.. ولا التفسير التاريخي.. ولا حتى إضفاء العظمة والبطولات على مَنْ يريده التنوير من الإضاءات.‏

وما إن انتقل العلم منذ العصر الصناعي لينضم إلى اصطلاح التنوير حتى أخذ يشق طريقه ليس على الأرض فقط بل في أجواء الفضاء.. وهكذا تحققت معجزات علمية لا تزال تملأ الأدمغة البشرية بالغرور ورغبة الصعود إلى الأعلى فالأعلى. وما إن انكشفت أسرار الذرة مضافة إلى ما سبق حتى وصلنا لا إلى الزمن الالكتروني بل الرقمي الذي ليس له حسابات في بدئه أو في النهايات.‏

كل هذا وغيره والبشرية لا تزال منقسمة بين جهل ومعرفة.. وبين قدرة يحكمها المال وبين عجز له ألف سؤال.. كما لا يزال كوكبنا الأرضي يتأرجح أو يترنح بين الصعود والهبوط لأقوام دون أقوام وفي دعم لا ينتهي من المال والأعمال وحتى من الإعلام.. فإذا بنا أمام لفائف مبهمة من الأسرار العلمية تمتلكها على ما يبدو دولة واحدة ووحيدة هي الأقوى.. وربما من خلالها فئة معينة لها غاياتها ووظائفها السرية أو الشيطانية تحت ستار العلم ومن خلال الدولة الأقوى. فهل ترضى هذه الفئة بأن تُحكم البشرية إلا بما تقدره هي أو تقرره؟.. فإذا بها والتكنولوجيا تدفعها يوماً بعد يوم إلى الاستزادة والإفادة من هذه القدرات تختزن القسم الأكبر منها.. وتلقي بالأصغر إلى سائر الدول أو تقبضه نهائياً عمن تريد من البلاد الغنية بالثروات الطبيعية كالنفط والمعادن وبما يخدم مخططاتها.‏

إنها أسرار.. لكن تدافع البشر في عصر التنوير نحو الأعلى والأعلى يجعلهم منهمكين في الاستزادة من التكنولوجيا.. وفي ترسيخ المقولة المادية فإذا بهم لا يحاولون حتى الكشف عن هذه الأسرار.‏

والقرن الذي نعيش فيه ألم يطرح تساؤلات عدة حتى الآن في الاقتصاد مثلاً، وفي توزيع المال، وفي التحكم في الشعوب، الخ...؟ نظن أنه يفعل.. لكن المهم ماذا سيفعل في مقدرات هذه الشعوب عندما يعلن أن هذه التكنولوجيا تمده بما يشبه المعجزات الحقيقية كالنانو تكنولوجي على سبيل المثال، أو التحكم في الفضاء واتصالاته؟.. وها هي أطروحة تمر عابرة بين أمواج الأثير المسطور في الفراغ كما في الفضاء وهي تبشر بمشروع عالمي لإنشاء شبكة انترنيت خفية، وأنظمة هواتف محمولة ذكية تمكّن الأفراد من التواصل خارج نطاق كل رقابة مؤسسية، أو حكومية، أو حتى تجسسية.‏

وهذا يعني ببساطة أنها لا تريد فقط أن تحكم العالم، بل أن تتحكم فيه فتشتته أو تفتته بحيث لا يكون واعياً لما يشكل شخصيته الحقيقية أو هويته التاريخية.. وبحيث تكون محركات البحث هي محركات لو أرادوها سياسية لكانت.. ولو أرادوها إصلاحية لفعلت.. ولو طمسوها لما تأخرت عن أن تكون غائبة أو غير موجودة.‏

الأمم والشعوب تتشكل وهي تستمد ماء حياتها من أرضها.. ومن تراكم أجيالها.. ومن خبراتها.. ومن ثقافاتها.. وتاريخها.. ومما رسخ فيها من مبادئ وعقائد.. ولا يكون ذلك بجمع عناصر غير متجانسة ليُخلق منها كيان ما باسم التنوير يكون له ظهور كما ظهور القمر والشمس والنجوم.. لأن هذه نفسها تختفي أو تنكشف أو تنخسف.. فالأمم والشعوب تخلق ذاتها بذاتها ولا تتشكل من مفردات وأدوات واصطلاحات وشعارات.‏

فهل علينا أن نحتار أو أن نختار؟.. فقد تشعبت أمامنا الأنهار والبحار.. ونخاف على تاريخنا في هذه المنطقة أن يضيع في الأعماق ولا يتحول إلى لؤلؤ ومرجان.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 قمر كيلاني
قمر كيلاني

القراءات: 4270
القراءات: 1345
القراءات: 1053
القراءات: 895
القراءات: 929
القراءات: 966
القراءات: 935
القراءات: 2727
القراءات: 1283
القراءات: 1027
القراءات: 1081
القراءات: 1275
القراءات: 1133
القراءات: 975
القراءات: 1004
القراءات: 1038
القراءات: 1017
القراءات: 1102
القراءات: 1294
القراءات: 1091
القراءات: 1018
القراءات: 1137
القراءات: 1158
القراءات: 1093
القراءات: 1110

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية