وكي لا يبدو كلامنا مصدره الفراغ ولا يتكئ على مؤشرات ومعلومات، يكفي التذكير أن وزارة الزراعة كانت قد اعترفت خلال السنوات الأخيرة، أن الإنتاج الزراعي تراجع بنسبة تصل إلى نحو (30) بالمئة من إجمالي النشاط الزراعي،ما يعني وبشكل صريح أن ثمة ضرورة وحاجة ماسة للوقوف على المعوقات وأسباب التراجع، انطلاقا من حقيقة أن سورية كانت قد قطعت شوطا لا يستهان به في هذا القطاع، والاعتراف وحده بالمشكلة لا يكفي للوصول إلى حلول من شأنها وضع العجلات على السكة الصحيحة، فبعض المرجعيات الحكومية وفي مقدمتها وزارة الزراعة، لم تتوان وفي غير مناسبة من الوقوف على الأسباب التي أدت إلى تهديد السلة الغذائية السورية، لكنها بالمقابل لم تتقدم برؤية أو استراتيجية قادرة على وقف تراجع الإنتاج عند حدود بعينها. فالقول على سبيل المثال،أن موجة الجفاف وانخفاض مناسيب المياه الجوفية والهجرة من الريف إلى المدينة، هي من العوامل الجوهرية التي لا يجوز القفز عنها، هذا الكلام لا غبار عليه، لكنه لا يشكل اكتشافا جديدا، والكل بات على دراية به وليس المطلوب إعادة إنتاجه من جانب هذا المسؤول أو ذاك.
تشير الأرقام التي بين أيدينا إلى أن المشاريع الزراعية التي يجري تشميلها للقطاع الخاص في كل عام آخذة في التراجع، فالعدد الإجمالي كان قد وصل لغاية العام الماضي 2011 إلى نحو (397) مشروعا، والمشملة فقط خلال ذات العام وصل إلى (24) مشروعا، وفيما لو بحثنا في بعض أسباب هذا التراجع, سوف نلحظ، أن السبب الرئيس لا يعود إلى تراجع الهطل المطري أو موجات الجفاف وهجرة المزارعين، وإنما يتمثل السبب في قلة الأراضي المعروضة للاستثمار، فالأمر المعروف، أن غالبية الأراضي تعود إلى أملاك الدولة والمساحات القابلة للزراعة وإمكان تحقيق الجدوى الاقتصادية لا تكاد تذكر, فالبعض وخاصة من البسطاء يشير بين حين وآخر إلى عدم الاستفادة من البادية ومساحاتها الشاسعة، غير أن هذا البعض ليس على دراية بحقيقة الشروط التي تستوجبها الزراعة، فالبادية تشكل نحو (55) بالمائة من إجمالي مساحة سورية، وللأسف هي غير صالحة للزراعة ولا يستفاد منها إلا في رعي المواشي، فهي والى جانب أنها فقيرة بالمياه، فان عمليات الاستصلاح فيها مكلفة ومعقدة، وأيضا من بين الأسباب التي لا تشجع على الاستثمار في القطاع الزراعي، أن المستثمر ليس على استعداد للانتظار سنوات طويلة كي يبدأ في عملية الإنتاج واستعادة رأس المال، وبالتالي يجد نفسه أمام خيارات أخرى تجعله يحصد الأرباح بعد أسابيع أو شهور من إحداث المشروع سواء كان صناعيا أو خدميا.
والجانب الآخر الذي يجري تجاهله من جانب شريحة واسعة من المسؤولين الذين تعاقبوا على مدار عقود على وزارات مثل الزراعة والاقتصاد والري، أن كل هؤلاء كانوا يشجعون على الاستثمار الخاص في القطاع الزراعي، في وقت كانوا يعلمون، أن الأراضي التي يمكن أن تكون قابلة للاستثمار هي مستملكة لصالح الدولة، وبالتالي، فان أي عقود سوف تنظم مع المستثمرين أو أي رخصة يحصلون عليها، ستكون محكومة بنظام التشاركية أو ما يسمى نظام (b.o.t )، وهذا الأخير ليس مرغوبا، كون المشروع يؤول في نهاية المطاف للحكومة مباشرة بعد انتهاء المدة العقدية.. لكل هذه الأسباب وسواها، إذا كانت هناك نيات جادة في جذب المستثمرين في قطاع الأعمال، فالخيار الأنسب ليس في استمرار الدعوة للقيام في عمليات الإنتاج الزراعي, وإنما في إقناعهم على إحداث معامل من شأنها السعي إلى تصنيع الإنتاج من الخضار والفواكه، وهذه المشاريع الصناعية قادرة على تحقيق قيمة مضافة تفوق عائدات الزراعة نفسها، وإحداث هذه المعامل، يمكن أن يكون في المناطق الزراعية نفسها، ومثل هذا الأمر لا يوفر فقط المزيد من فرص العمل، وإنما يساعد المزارعين في عدم انخفاض أسعار بعض الأصناف التي لا تلقى رواجا للتصدير إلى خارج الأسواق المحلية.
marwandj@hotmail.com