أن تبادر مؤسسة النقل الداخلي إلى تقويم التجربة والوقوف على شكاوى وملاحظات المواطنين، خاصة بعد أن شهدت بعض الخطوط اختناقات غير عادية في نقل الركاب خلال ساعات الذروة.
الأمر الذي كان واضحا طيلة التجربة الماضية من تعاطي المستثمرين الجدد، أنهم يعملون على طريقة أصحاب السرافيس الذين قد ينتظرون في محطة بعينها لأطول فترة زمنية ممكنة.. وقد تكون بداية الخط من أجل عدم التوقف على المواقف الأخرى، وفي حال كان الباص فارغا أو عدد الركاب أقل من المأمول، قد يتم التوقف بعد كل دقيقة وكلما تيسر العثور على الراكب المحتمل، ومع ذلك، المشكلة لا تتوقف عند هذا الجانب فقط وإنما تعود في جوهرها إلى قلة عدد الباصات العاملة على هذا الخط أو ذاك، ففي حال أخذنا ببعض ما يثار في السر المعلن فإن السبب الأساسي الذي ما زال يمنع حضور الحاجة الفعلية من الباصات ليس بسبب تلكؤ أو تردد قطاع الأعمال في الاستثمار بهذا القطاع المضمون الربحية, وإنما نتيجة تمكن بعض المستثمرين الذين دخلوا حديثاً إلى هذا الميدان في احتكار هذا الاستثمار وبالتالي ما يجري هو بمثابة محاولة أولية للحلول مكان شركة النقل الداخلي على أمل أن تعلن هذه الأخيرة في المستقبل القريب إفلاسها, وبالتالي تكون الفرصة سانحة للمستثمرين الجدد في احتكار هذا القطاع ومنع حضور منافسين آخرين. وفي مواجهة هذه الحقيقة وسواها من العناوين التي تحيط بقطاع النقل، من المشروع السؤال عن مصير القانون الذي أكد ضرورة تسيّد المنافسة ومنع الاحتكار في أي قطاع يخص المستهلكين, كما أنه من المشروع أيضاً السؤال: هل ما يجري.. . هو تشاركيه بين القطاعين العام والخاص أم خطوة فعلية باتجاه خصخصة قطاع النقل لتمكين المستثمرين من ابتلاع هذا القطاع بالكامل؟!.
إذا سلمنا جدلا، بأن مضمون العقود يسمح باحتكار الشركات لبعض الخطوط، فذلك يعني أن لا مكان للمنافسة وثمة من يعمل على إبقاء قطاع النقل الداخلي على ما هو عليه من إرباكات وللتخلص من هذه الحالة يتعين تصويب الأداء من خلال هيئة المنافسة التي يفترض بها التدخل, خاصة لجهة ضرورة تأكيد حضور العدد الكافي من الباصات، والاعتقاد السائد أن القوانين تسمح بفسخ العقود في حال عدم الالتزام بمضامين يفترض أنها في صالح الراكب أولا وأخيرا، خاصة أنه ولمجرد وجود اختناقات على خط بعينه ويجري احتكاره، فذلك يبرهن على أن الشركة غير قادرة على الالتزام بتعهداتها.
ولعل من المشكلات الأخرى التي يتعين الإشارة لها, أنه في حال سلمنا جدلاً بضرورة إخراج «السرافيس» من العمل ضمن المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، فإنه كان يفترض بهذه الحالة, أن تضمن وزارة النقل مسبقاً, بأن الأعداد المتوفرة من باصات المستثمرين قادرة على استيعاب أعداد الركّاب الذين كانت السرافيس تقوم بتخديمهم, وهذا الجانب لم يتحقق وترك هوة شاسعة بين أعداد الركاب والحاجة الفعلية، ما أعاد إلى الأذهان واقع حال النقل الداخلي خلال ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي, فالمظاهر السابقة يعاد إنتاج ما يشابهها ولو بنسب أقل، بدءاً من انتظار الركاب على المواقف الرسمية لمدة زمنية طويلة نسبيا, وليس انتهاءً بمظاهر التدافع واستيعاب الباصات لأعداد مضاعفة بحيث يتعذر على الراكب الفوز بمقعد, وكل ذلك يعني أن أعداد الباصات ما زالت أقل بكثير من الحاجة الفعلية، إلى جانب أنها ليست من الطرُز الحديثة وتعمل على المازوت بدل الغاز أو البنزين وسواها من الملاحظات التي يطول الحديث عنها بعد تبدل هوية النقل الداخلي من احتكار الدولة إلى التشارك مع قطاع الأعمال.
marwandj@hotmail.com