البرازيل هذه تشهد اليوم نهضة اقتصادية ترشحها لأن تكون في عداد النمور الاقتصادية، ويأتي هذا التحول نتيجة لتضافر مجموعة من العوامل في مقدمتها:
أولاً، استقلالية القرار وفلسفة التنمية التي اعتمدتها البرازيل منذ وصول الرئيس البرازيلي الحالي «لويس إيغناسيو لولا داسيلفا». وحول أهمية هذا العامل في النهضة الاقتصادية البرازيلية يقول «ريوردان رويت» الأستاذ المحاضر في كلية الدراسات الدولية المتقدمة التي تتبع جامعة «جون هوبكنـز» إن «البرازيل أثبتت أنها قادرة على أن تحكم نفسها بنفسها وأن تحافظ على اقتصادها فوق المسار الصحيح في الأوقات العصيبة» إذ لم تعد البرازيل مجرد سوق تصريف للبضائع المنتجة في الولايات المتحدة، أو مورداً أساسياً للمواد الأولية التي تحتاجها المصانع الأميركية، بل أصبحت دولة صناعية تضاهي في أدائها الكثير من المصانع الأميركية.
ثانياً، نجاح السياسات التي اعتمدها نظام الرئيس «لولا» لمكافحة الفقر وتوسيع حجم الطبقة الوسطى، إذ إن جزءاً كبيراً من النهوض الاقتصادي، حسب ما تقول مجلة «بزنس ويك» الأميركية يعود إلى هذه السياسة الصائبة. في هذا الصدد تقول المجلة الأميركية، إن نمو الاقتصاد البرازيلي على عكس الكثير من الاقتصادات المتقدمة لم يرتكز على الصادرات التي لا تمثل حتى الآن سوى (12%) من إجمالي الاقتصاد البرازيلي، بل ارتكز على القاعدة السكانية في بلاد تضم (190) مليون نسمة، والتوسع السريع للطبقة المتوسطة، حيث لعب ذلك دور القاطرة الدافعة للنمو الاقتصادي. وتؤكد المجلة أنه في السنوات السبع الماضية، وهي فترة حكم الرئيس «لولا»، ساهم برنامج حكومي يحمل اسم «بولسا فاميلا» في انتشال (24) مليون برازيلي من تحت خط الفقر، وقد أضيفت إلى سوق العمل ثمانية ملايين وظيفة جديدة منذ عام (2003)، في حين ازداد الحد الأدنى للأجور بواقع (45%). كما أطلقت الحكومة البرازيلية برنامجاً حكومياً آخر حمل اسم «بيت حياتي» وبموجب هذا المشروع يحصل المواطنون على منحة نقدية تغطي ربع الثمن المطلوب لشراء منزل، وقرض عقاري بفائدة زهيدة لمدة (30) عاماً، وبسبب هذا المشروع تمكن الملايين من الحصول على منازل وازدهر قطاع العقار، ولكن هذا الازدهار ارتكز إلى ضوابط لم تسمح بولادة فقاعة عقارية مثل ما حدث في الولايات المتحدة. وحول هذه السياسة أكد رئيس المصرف المركزي البرازيلي «هنريك ميريليس» أن أساسيات الاقتصاد البرازيلي بالغة القوة، إذ إننا لا نعاني أياً من المشاكل التي ولدت فقاعة الائتمان في الولايات المتحدة.
ثالثاً، استناد خطة التنمية التي وضعتها الحكومة البرازيلية إلى المزايا التنافسية التي تحوز عليها البرازيل وهي السوق الواسعة، واليد العاملة الرخيصة، ومدخلات الصناعة والخدمات المتدنية الأسعار، وقد أدى تضافر هذه المزايا الثلاث إلى نجاح الخطة الحكومية بعد أن توفرت إرادة حازمة وتخلصت البرازيل من بعض العيوب المرتبطة بطبيعة سياسات الحكومات السابقة وعلاقات التبعية مع الولايات المتحدة.
هكذا بدأت البرازيل بشق طريقها لتكون نمراً اقتصادياً واعداً بعد أن تجاوز إجمالي ناتجها القومي الـ (1.5) تريليون دولار، وتحولت إلى لاعب اقتصادي دولي، سواء داخل مجموعة العشرين، أو في إطار جماعات الضغط التي تشكلت داخل منظمة التجارة العالمية لتصحيح انحرافات هذه المنظمة، والحد من هيمنة الدول الصناعية المتقدمة عليها.