مع كل ذلك لا أستطيع إلا أن اتساءل عن مدى ارتباط تعليمنا الجامعي بسوق العمل عندنا,وأتبين دون عناء في البحث أن ثمة شرخاً كبيراً بين غالبية الاختصاصات التي يتم تدريسها,وبين احتياجات سوق العمل في بلدنا!!
أيضاً لا أستطيع إلا أن أصنف هذا الانفاق الكبير على تعليم لا يؤهل خريجين لسوق العمل بأنه هدر مؤكد!!
وتأسيساً على ما سبق : إننا أمام موارد بشرية تحتاج الى تأهيل لسوق عمل جديدة تختلف عن تلك التي كانت في السبعينات والثمانينيات وحتى التسعينات ففي حين كانت الصناعات التقليدية تحتاج الى مهارات محددة,صارت اليوم صناعات تعتمد المعلومات والأتمتة.
وفي حين كان يمكن لأي خريج تسلم أىة وظيفة بلا خبرة,وبلا تدريب وبلا مهارات صار مستحيلاً اليوم نجاح أية ادارة اذا لم تمتلك الكثير من خبرات العصر ومعارفه من لغات وبرمجيات وما شابه.
فأين كلياتنا الجامعية الحكومية من تأهيل مثل هذه الكوادر اللازمة لعملية تنمية عصرية تحتاج الى مبدعين وعارفين لعلوم العصر المختلفة?!!
لذلك كان من الطبيعي أن يلجأ العديد من الخريجين الجامعيين ليس في العلوم النظرية فقط,بل في الدراسات العلمية أيضاً الى مراكز ومعاهد تأهيل خاصة لاجراء دورات تدريبية عملية في علوم الحاسوب ومهاراته,واللغات وعلومها والتجارة وفنونها,والصناعة و تقنياتها!!
بل إن بعض المؤسسات والشركات تقيم دورات تأهيل للخريجين الجامعيين الذين يتم اختيارهم للعمل فيها! وكثيرة هي الشركات التي تشكو ندرة بعض الاختصاصات المطلوبة من خريجي الثانويات الفنية..!
إذن نحن أمام موارد بشرية تحمل مؤهلات جامعية,جهدت وتعبت وانفقت عليها الدولة الكثير,لكنها غير مؤهلة لسوق العمل الجديد للقرن الحادي والعشرين,المختلف كثيراً عن سوق عمل القرن العشرين.
فأي موارد بشرية تلك?!
الجامعات الخاصة انبتهت منذ بدايات تأسيسها الى هذه النقطة فلم تهتم بالأقسام النظرية إلا فيما خص العلوم الادارية والتجارية,وهي في أغلبها صارت تصنف في باب الأقسام العلمية وتوجهت الى أقسام يحتاجها المجتمع,فعرفت كيف تطبق شعار ربط الجامعة بالمجتمع دون أن ترفعه بينما جامعاتنا رفعت الشعار منذ سنين وحتى الآن لم تنجح في تطبيقه!!
لذلك هي دعوة لتقليص الكليات التي لا يحتاجها سوق العمل (فلسفة,علم, اجتماع, جغرافية, تاريخ, فنون, تربية,حقوق) وغيرها بعدما فاضت أعدادهم عن الحاجة لسنوات وسنوات! ونهتم أكثر بعلوم الحاسوب والتجارة والهندسات وسواها لأن أسواق العمل الجديدة تحتاجهم لسنوات.. وسنوات!