بالنسبة لأردوغان كان الانقلاب الذي لم يكتب له النجاح نعمة من اللـه وفرصة لتصفية خصومه وخصوم حزبه في القطاعات التي لم يستطع تطويعها لتصبح تحت سيطرة ميليشيا حزب العدالة الذي لبى نداء أردوغان بشكل يوحي أن هذه الميليشيا كانت منظمة وتنتظر إشارة أردوغان تحسباً لمثل هذا اليوم.
لم تمضِ ساعات وبدأت رحلة الاستثمار في الانقلاب، فقد أقصى أردوغان عشرة من أعضاء المحكمة الدستورية وآلاف القضاة وتبعها بإهانة متعمّدة للجنود الأتراك الذين شاركوا في الانقلاب ولم يسلَم جهاز الشرطة الذي يعتبر تحت قبضته بشكل نسبي من الإقصاءات بالآلاف وتبعه بمئات الجنرالات والضباط الكبار ما يدلّ على حجم معارضيه داخل المؤسسة العسكرية وليس العكس كما يوحي.
إلى أين يريد أن يصل أردوغان بتركيا..؟ هل كان ينتظر مثل هذه الفرصة ليمارس تسلّطه بشكل لا حدود له..؟ بالتأكيد هي فرصة سانحة لا يريد أن يهدرها أو يضيع وقتاً في تنفيذ ما كان مخططاً أن يقوم به سلفاً دون وجود هذا الانقلاب ولكنه سرَّع بتلك الإجراءات وشرعنها بالنسبة له.
كان يتمنى في قرارة نفسه أن تكون الأحزاب قد وقفت إلى جانب الانقلابيين ليفتك بخصومه، ولكن أسقط في يده هذه المرة بعدم تأييد الأحزاب للعودة عن الحياة الديمقراطية ليس من أجل أردوغان وحزبه وإنما من أجل بلادهم وتقدمها، وقد وجد في ضالته المنشودة عدوه اللدود «غولن» خصماً جاهزاً يُحرج فيه واشنطن مرة تلو الأخرى.
ولكن هل بمقدور أردوغان أن يذهب بعيداً أكثر من ذلك في إقصاء معارضيه في الجيش؟ خاصة وأن قادة الجيش ورئيس أركانه إلى جانبه وقد عيّنهم بنفسه وقد كان يعتبر نفسه مُحصّناً من أي حركة يقوم بها الجيش ضده، بعد سنوات عمل فيها على تعديل الدستور ورفع الحصانة عنه ومحاكمة قادة انقلاب عام 1980 بعد ثلاثين عاماً وآخرين، فيما يُعرف بمحاكمة أرغنون من الضباط والمثقفين، وأصدر قضاؤه أحكاماً وصلت إلى خمسين عاماً لإخافة من يفكر بالقيام بانقلاب على حكمه.
ما حصل بالأمس القريب ناقوس خطر لأردوغان ونظامه، ولن يكون هذا الانقلاب هو الأخير في تركيا، فمازال الاحتقان أكبر من إقصاءاته ولو تسلح بالميليشيا الإخوانية ومخابراته.
فمنظر الجندي الذليل لن يعجب الكثيرين ممن ترسخ في وجدانهم قدسيته لسنوات طويلة وعلى أردوغان أن ينتظر الآتي فليس كل مرة تسلم الجرّة كما يُقال.