تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحفـــــر فــــي رســــوبيات الـــدم..!

ثقافة
الخميس 15-10-2015
سوزان ابراهيم

مازال كثير من الروائيين والسينمائيين يحفرون في عوالم الحرب العالمية الثانية وما خلّفته من دمار وخراب وضحايا بالملايين, وكأن لا قاع تنتهي إليه مخيلة البشر وهي تحفر في طبقات الدم التي ترسبت عبر عشرات السنوات.

كلما قرأنا رواية أو تابعنا فيلماً يخوضان في مثل ذلك الأمر, عدنا لنعيش عذابات البشر التعساء الذين شاء المكان الخطأ, والتوقيت الخطأ, والنوايا الخطأ أن يكونوا حينذاك موضوع درس عملي للوحشية الإنسانية.‏

لكأن عذابات الشعوب معين لا ينضب.. لكأننا لا نجيد الحفر إلا في مجازر مازالت شلالات الدم تتدفق منها حتى اليوم! في روايته الجديدة التي حملت عنوان «أب من دم»، يعود الكاتب الفرنسي جان هاتزفالد مرة أخرى إلى «رواندا» ليقدم صورة أخرى عن المجازر التي شهدتها عام 1994.‏

لفتتني جملة قالها هاتزفالد في حوار أجرته معه جريدة «لوموند الفرنسية» في عددها الصادر يوم الجمعة 4 أيلول الماضي: «إن الأطفال لا يرغبون في معرفة ما حدث بالضبط خلال تلك السنوات السوداء، وحتى إن رغبوا في ذلك فإنهم لن يحصلوا على ما يشفي فضولهم... إن الأطفال يريدون أن يطووا الصفحة ويرغبوا في بناء رواندا جديدة. وأنا لم أصدق ذلك مطلقاً».‏

كم من الحكايات يمكن أن تروى عمّا حدث- ومازال يحدث- في سورية؟!‏

كم رواية ستُكتب.. كم فيلماً سيُنتج... كم لوحة.. كم... كم شاهدة قبر سنعدُّ مع نهاية النفق المظلم هذا؟!‏

طبقات من المأساة تترسب في عقول وذاكرات وضمائر الشعب السوري على اختلاف انتماءاته وخلفياته.. ستختلف الروايات باختلاف زاوية النظر.. وزاوية الوجع.. وزاوية فوهة البندقية... لكن الألم يوحّد الجميع.. كما أن الخراب يوحّد الأمكنة.‏

ثمة من بدأ الكتابة.. ومن بدأ تصوير الأفلام.. هنا أو هناك.. على هذه الضفة أو تلك.. ولن يقنع أطفال اليوم ورجال الغد برواياتنا وأرشيفنا.. ولن يصدقوا سوى أرشيف ذاكراتهم وأصوات الألم المحنطة هناك في عمق الوجدان.‏

كيف نجسر الشرخ الذي أحدثته تفاسير الحكاية وتأويلاتها؟‏

كيف نجعل الأرض التي انفلقت في اتجاهين متعاكسين تستعيد طينها الواحد.. وخريطتها الواحدة؟!‏

لا أمل لنا إن تمترس كل منا خلف رائحة الدم العابقة في كل التراب السوري.. لا غد يجمع شتاتنا إن لم نحفر في رسوبيات الحب.. لن يكون من السهل علينا تخطي كل الآثار التي تركها الدم, ما لم نسع بوعي وانفتاح إلى بناء الجسور بيننا من جديد.‏

كم من الوقت يلزم لأطفالنا لينسوا.. هل بمقدورهم أن ينسوا؟!‏

كم من الوقت يحتاج السوريون لرأب الصدوع التي جعلت البيت الواحد يتخلخل؟!‏

اليوم وغداً.. نريد آباءً من حب.. من ياسمين.. لا آباء من دم!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 سوزان ابراهيم
سوزان ابراهيم

القراءات: 1456
القراءات: 1395
القراءات: 1625
القراءات: 1535
القراءات: 1614
القراءات: 2008
القراءات: 1424
القراءات: 1544
القراءات: 1524
القراءات: 1592
القراءات: 1518
القراءات: 1636
القراءات: 1590
القراءات: 1533
القراءات: 1599
القراءات: 1636
القراءات: 1610
القراءات: 1644
القراءات: 1646
القراءات: 1596
القراءات: 1617
القراءات: 1657
القراءات: 1676
القراءات: 1685
القراءات: 1640

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية