تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


يا ليتني كنت تراباً

المهماز
الأحد 25 /3/2007
الكاتب الكبير زكريا تامر

- 1 - كان مروان الديك قد عيّن وزيراً أشهراً قليلة ثم أُقيل على عجل لتتحول حياته انتظاراً غير قانط للمنصب المفقود, ولكن انتظاره لم يمنعه من الحج كل سنة, فلم يصفه أحد بالتقوى والورع, واتفقت كل الآراء على أن ذنوب الوزير السابق مكتوبة بدماء المسروقين والمظلومين, والدماء حبر لا يُمحى.

- 2 -‏

وكانت خديجة الصراخ تزور العائلات باحثة عمن تصلح زوجة لابنها الشاب الذي يفضل الذكية المرحة البيضاء ذات الشعر الأسود متناسية أن ابنها مات قبل سنوات إثر نوبة قلبية.‏

- 3 -‏

وكان سمير الفلاح مغرماً بالأحصنة, وطلب في ليلة من ليالي القدر أن يصير حصاناً, ولاحظ في الأيام التالية أن أذنيه قد كبرتا, فأراد التعبير عن بهجته بنيل ما طلبه, فبوغت بأنه لم يصهل ونهق.‏

- 4 -‏

وكان بهجت السقار شاباً شرساً مستعداً لأن يُغضب كل من على سطح الأرض ما عدا أمه التي يتفنن في ابتكار الوسائل لإرضائها, فهي لديه المدللة المقدسة التي يهرع كل صباح إلى غرفتها لتقبيل يديها وتقديم القهوة إليها, ولكنه في أحد الأيام قال لها بصوت غاضب موبخ : لو تزوجت غنياً لعشنا كلنا مثل البشر.‏

وصمم على ألا يتزوج إلا امرأة غنية, ولكنه لم يحب سوى فتاة فقيرة وتزوجها واثقاً بأنها ستنجب أولاداً سيلومون أمهم لأنها تزوجت فقيراً.‏

- 5 -‏

وكان بشير الزاهد لا يستطيع نسيان أنه مشى في الأزقة حافياً عندما كان طفلاً فقيراً, ولا يستطيع أيضاً تجاهل أي حذاء يراه ويعجب به, ويحاول اقتناءه بوسائل غير مشروعة, ولم تواجهه أي متاعب إلا عندما انتقل من الإعجاب بأحذية المصلين في المساجد إلى الإعجاب بسيارات المسؤولين.‏

- 6 -‏

وكان أسعد البالاتي تواقاً إلى أن يصبح مشهوراً على الرغم من أنه لا يملك من المواهب غير الوقاحة والسماجة, وقد عثر على ما ظن أنه يحقق له بعض الشهرة, ودأب على السير في جنازة كل مشهور منكس الرأس دامع العينين, والتردد إلى المقاهي مرتدياً بزة سوداء, ومتحدثاً بصوت متهدج عن صلته الحميمة بالفقيد, ولكنه عندما سار في جنازة الشاعر ممدوح عدوان, لم يستطع الشاعر الصبر, وصاح بالبالاتي : إخرس أيها المتخلف عقلياً!‏

فلم يرتبك البالاتي, وقال لمن حوله : المرحوم يحب دائماً ممازحتي, ولا ينشر كلمة إلا بعد معرفة رأيي فيها, وهو رأي لا يجامل.‏

فمات ممدوح عدوان ثانية, وكان السرطان سبب موته الأول, وكانت السماجة مسؤولة عن موته الثاني.‏

- 7 -‏

وكانت زكية العليمات قد أحبت ابن الجيران, ولكنه تزوج ابنة خاله وترك زكية قانطة غير مؤمنة بأي حب وتعتبره عبثاً ووهماً, والتقت رجلاً صادقاً باح لها بحبه راغباً في أن تكون شريكة عمره, فعجزت عن اتخاذ موقف, واجتاحتها حيرة طاغية : هل تستمر في العيش عزباء أم توافق على الزواج منه والثأر من كل الرجال?‏

- 8 -‏

وكان جمال الصافي يأكل في أيام شبابه ثلاث مرات في اليوم الواحد, واضطر في أيام شيخوخته إلى أن يأكل في اليوم مرة واحدة لأسباب ليست صحية, فلم يتذمر, وشكر الله متمنياً ألا يضطر إلى أن يأكل مرة واحدة في الاسبوع.‏

- 9 -‏

وكان سليم الملاخ عاشقاً لفتاة ساذجة مخلصة أحبته بجنون وهددته بالانتحار الفوري إذا خطر له يوماً أن يهجرها أو يتضاءل حبه لها, ولكنها بعد زواج دام سبعة شهور طلقته بعد أن نجحت في تجريده من كل ما يملك, وعندما اعتزم الذهاب إلى المحكمة الشرعية لحضور جلسة الطلاق ناشد أصدقاءه أن يعيروه ثياباً داخلية.‏

- 10 -‏

وكان سعود الحلو يعاني بدانة لم تتمكن التمارين الرياضية والصوم القاسي من التخفيف منها, ولكنه ما إن بحث عن عمل حتى زال لحمه وشحمه من دون أن يعثر على أي عمل, فلم يقنط, وظل مصمماً على متابعة البحث عن عمل, ولكنه خشي أن يؤدي هزاله المتزايد إلى جعله غير مرئي من دون أن يمتلك طاقية الإخفاء.‏

- 11 -‏

وكان رياض العلال قد ورث عن أبيه ثروة طائلة أنفقها بكاملها على أعمال البر والتقوى, وعاش ما تبقى له من العمر كغيره من عباد الله الذين يشتغلون من الشروق إلى الغروب, ولكنه ظفر بجناحين يتيحان له الهرب من النار إلى الجنة, ولا يتيحان له الهرب من جوع متوحش فظ.‏

- 12 -‏

وكان حسان الطبال يمشي في شارع مقفر بعد منتصف الليل, فاستوقفه شبان مسلحون يبغون السطو على ما في جيوبه, فبوغتوا بأنها فارغة, فسألوه عما يفعل في الشارع في مثل هذه الساعة, فأجاب أنه يتنزه متمتعاً بضوء القمر, فانهالوا عليه بالضرب الموجع قائلين له إن ما يفعله هو سبب إفلاسه وإفلاسهم.‏

- 13 -‏

وكانت حميدة السماخ كثيرة الأزواج, فقد تزوجت رجلاً اكتشفت بعد أسابيع أنه مقامر سكير, وتزوجت رجلاً يتظاهر بالكرم وازدراء المال, فإذا هو يحاسبها كل مساء الحساب العسير على أعواد الكبريت التي استهلكتها قائلاً إن من لا يحرس خرافه ليل نهار يأكله الذئب ويأكل خرافه, وتزوجت رجلاً تبين لها منذ الليلة الأولى أنه لا يحب النساء, وتزوجت رجلاً يقال عنه إنه مربي أجيال, فكانت لا تستطيع أن تسعل بغير استئذان, وتزوجت مناضلاً ينتقل من سجن إلى سجن, فسئمت الوقوف بالقرب من أبواب السجون, وطلقته لتصادق قطة مرحة لا تصدر أوامر.‏

- 14 -‏

وكان جبر المسعود يحلم بأن يصبح مذيعاً تلفزيونياً ذائع الصيت, فقيل له إن وجهه يصلح للتمثيل في أفلام الرعب, فهرع إلى المخرجين السينمائيين الذين قالوا له معتذرين إن أفلام الرعب لا وجود لها في السينما العربية, وإن الحياة العربية هي التي تتكفل بتقديم أفلام الرعب كل يوم.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي |  dalatione@hotmail.com | 24/03/2007 23:58

هذه الصور المحبطة موجودة في واقع معظم المجتمعات الإنسانية سواء المتقدمة منها أم المتأخرة, فمركب النقص كما مركب الإستعلاء يمكن أن يصيب المجتمع كما يصيب الفرد , وقد لفتت نظري الصورة رقم :6 فإذا كان الكاتب يستخدم أسماء مفترضة لشخصيات صوره فلماذا أقحم إسم ممدوح عدوان وجعله يتواقح على الشخصية المفترضة؟ وهنا أود القول بأن الخيلاء كالإستعلاء قد يصيب صاحب الشهرة عندما يتأفف من عديم الشهرة بدل أن يحتويه مثلا, وأخيرا تمنيت على الكاتب أن يزرع بعض الأمل ولو بإشارة لمخرج من نفق الإحباط, لكنه تمنى في العنوان لو كان ترابا, فهل كاتبنا الكبير يملك التشخيص ويعجز عن الحل؟.

شام |    | 25/03/2007 13:19

شكرا

ماجدة تامر |  maj9661n@scs-net.org | 26/03/2007 05:19

هذا هو واقعنا .... و تنطيق علينا الآية القرآنية في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وآية أخرى وهي إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .... شكرا على هذه الوقفات الجريئة وهذا الاسلوب الرشيق المفعم بالحياة و الحيوية ....

ام كمال  |  ********* | 26/03/2007 19:20

شكرا شكرا شكرا , للكاتب الكبير هذا هوالواقع مع الاسف نتمنى ان يتغير لكن ____________

دمر  |  dhabib@shuf.com | 28/03/2007 00:56

أريد أن أشكر الكاتب على رحابة صدره في استقبال التعليقات وهذه الرحابة وصلت الى أعلى مستوى في الشتيمة رقم 6 كما أود أن أحيي أيمن بالاتي على استيعابه لممدوح عدوان

miso |    | 28/03/2007 13:21

هذا الكلام و لو كان من واقع الحياة إلا أنه سلبي في طرحه الكاتب يجيد التشخيص و من يشخص الداء يعطي حلولاً أو بصيصاً من ضوء يعطي املاً [ان هناك من لا تنطبق عليه هذه الحالات و في أقلها من يشخصها و يعيها

هدى العظم |    | 28/03/2007 23:12

ليست مهمة الكاتب إيجاد الحلول .... هذه مهمة كل قارئ ومتابع فينا ... الفن والكتابة إنعكاس للواقع وفقا لأسلوب كل فنان وكل كاتب وعلينا نحن إيجاد الحلول لمأساتنا وذلك كل وفق طريقته وأسلوبه في الحياة .... وشكرا لكم المحبة هدى العظم

أدهم |  aay1981@hotmail.com | 29/03/2007 15:48

أنا لم أرى أملا يا miso ولا أدري ان كان يسمى ما كتبه الكبير زكريا تشخيصا على العكس ان الواقع اسوأ بكثير مما عرض والحقبقة أن لا حل يا ليتني كنت ترابا

عمر الجرف  |  ramoon_973@yahoo.com | 31/03/2007 10:53

و كان سعد الله ونوس شاعراً عظيماً و كانت خشبة مسرحه كالغمامة تغطي كل الوطن و من شدة كرم الغمامة لم تبقى فيها قطرة ماء تروي ظمأها قبل الموت .... و بعد رحيل الغمامة أطلت علينا شمس قذرة تخبرنا عن مساوئ الغمام و بخل الغمام و مساوئ الغمام أيها العظيم في قبرك ... أيها الحي تحت التراب ... أيها الونوس ... الذي آنستنا في خوفنا و هزيمتنا اين كل أصدقاءك المثقفون لينقذوك من براثن الذئب الذي ينهش ذكراك أرجو النشر و أرجو من الكاتب الكبير زكريا تامر أن يحدثنا عن سعد الله ونوس لا أدعو للوقوف دقيقة صمت تكريماً لذكرى الراحل سعد الله ونوس بل أدعو للوقوف سنة كاملة من الصمت تحت الشمس الحارقة ندماً و ألماً على أننا ظلمنا سعد الله ونوس في حياته و نظلمه الآن أكثر في مماته من جديد أرجو أن تصل رسالتي للأستاذ زكريا تامر

ابو احمد |  adnan.t69@hotmail.com | 20/08/2007 12:54

مشكور

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 زكريا تامر
زكريا تامر

القراءات: 14084
القراءات: 7872
القراءات: 7623
القراءات: 9474
القراءات: 8745
القراءات: 8854
القراءات: 8467
القراءات: 11749
القراءات: 8418
القراءات: 7958
القراءات: 9006
القراءات: 9291
القراءات: 8024
القراءات: 7553
القراءات: 9596
القراءات: 8526
القراءات: 8597
القراءات: 9355
القراءات: 11280
القراءات: 7735
القراءات: 7743
القراءات: 11541
القراءات: 7834
القراءات: 7523

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية