كانت بينظير بوتو تعلم أن أمريكا تقف وراء إعدام والدها ذو الفقار عام 1979 على يد جنرالها (ضياع الحق) لكنها كانت مقتنعة أن مستقبلها السياسي مقطور بضلعي مثلث كرسي الحكم في باكستان (أمريكا والجيش) لأن قدرها أغفل الطرف الثالث, والذي يبدو أنه بات الأقوى في قيعان أحلام محمد إقبال, وأقصد (الله),وتحديداً من يدّعون الآن أنهم ذراعه العسكري.
ما أن سقطت طائرة ضياء الحق عام 1988 حتى عادت بينيظير إلى مسقط رأسها من لندن,حيث نسجت هناك خيوط علاقاتها وعبرت الأطلسي إلى واشنطن, أحياناً بغطاء خجول للرأس, وأحياناً بصدى أوكسفورد وهارفرد,فمنحها الناخبون الذين لم ينسوا والدها أغلبية وضعتها في مرتبة أول امرأة تقود دولة إسلامية, بيد أن غبار الفساد جعل غلام إسحاق خان يطردها بعد عشرين شهراً, ليعود ريتشارد أرميتاج إلى حياكة بساطها السلطوي عام 1993 عقب استقالة خان ونواز شريف بالتهم نفسها, لتمضي ثلاث سنوات تتقلب بين الفضائح مع زوجها آصف زرداري, حيث قضى أخوها مرتضى تحت ناظريها عام 1996 واتهم زرداري باغتياله, ثم ذهبت الأم الثكلى نصرت أصفهاني رويداً رويداً إلى الحزن والزهايمر.
أمريكا مرة أخرى, وهوس السلطة يعتصر بينيظير,..هكذا مَشَتْ, منذ منتصف 1996 نحو مصيرها المؤجل الذي تعرفه كل العرّافات اللاتي قرأن طالع الموت المؤجل,ألم تعنوِن مذكراتها ب(ابنة المصير)?!..مشت نحو أمريكا التي طال شغفها المصلحي بجنرال (الحرب على الإرهاب), وعندما سنحت لها فرصة التسرب عبر ثقوب (الديمقراطية) جراء إخفاق الجنرال في عرقلة زحف جنود الله المطلبنين,تفتقت العبقرية الأمريكية عن إبقاء حارس النووي الإسلامي مدنياً على كرسي, وتطعيمه برئيس الاستخبارات الذي لا يزال حتى الساعة متعففاً عن السلطة, الجنرال إشفاق كياني ليحلّ قائداً للجيش في متابعة حراسة المفاعلات النووية وتفاعلات حراك الملاّ عمر ونظريات الظواهري, في محاولة لإعادة دمقرطة الدولة بأوهام بينيظير,التي لم ترَ أن العسكر وطالبانهم على السواء قد تغيروا خلال عقدين انصرما.
اتكأت بينيظير على خبرة زلماي خليل زاد بالدول (الفاشلة) بناء على تحدّره الأفغاني وعدم ثقته بمشرف, لكن ريتشارد باوتشر هو من صاغ علاقتها الجديدة بمشرف عبر مكوكيته بين لندن ودبي وإسلام أباد. وفي آب الماضي قضت ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة,ثم زيارة في أيلول, وحتى حديث مع مشرف من مكتب توم لانتوس,أسفرت جميعها عن زيارة جون نغروبونتي لباكستان وتسليم رسالة لمشرف تقول (سنقف إلى جانبك,لكننا بحاجة لوجه ديمقراطي للحكومة.نعتقد أن بينيظير هي الخيار السليم لهذا الوجه),وتوّج الأمر باتصال هاتفي من مديرة الدبلوماسية الأمريكية قبل أسبوع واحد من عودة بينيظير إلى باكستان لتستقبل بمجزرة في تشرين أول الماضي.
من هو القاتل الحقيقي إذاً..مطلق النار أم الانتحاري أم طالبان أم القاعدة أم الاستخبارات الجهادية..أم الحمقاء التي ترسل الناس باسم الديمقراطية المزيفة كي يتلقاهم الانتحاريون ..أم سعي بوتو لحتفها الأمريكي في راولبندي?!!.
ما أن فتحت بوتو سقف سيارتها المصفحة لتحية الناس حتى انطفئ حلمها, والوهم الأمريكي معاً, لتنقل بطائرة عسكرية إلى مطار سوكور ثم إلى لاركانا لتدفن في الضريح الفخم المقبب في جارهي خودا بخش بين أبيها وأخويها المغدورين مرتضى وشاه نواز,.. وتذهب باكستان إلى غرفة العناية المركزة.
في لحظة شكسبيرية كان حافظ حكيم علي منغي يصلّي على جثمانها,وهو نجل محمود أحمد منغي الذي صلّى على جثمان أبيها,فيما مئات آلاف فقراء السند يبكون وريثة زعامتهم الإقطاعية صارخين من حناجر أتعبها القهر المحلي والخارجي(العار للقاتل مشرف..العار للقاتلة أمريكا).
هكذا تحمي أمريكا أصدقاءها, أو تدفشهم, أو أن صداقة أمريكا تؤدي إلى هذه التراجيديا ..وهكذا يذهب حزب بوتو الأب إلى شظاياه..فيما البديل الأمريكي جاهز يتراوح بين مشرّف وشريف..وفي الأضرحة عبرة لذوي الألباب.