بعد ثلاثة عقود من القراءة ومجموعتين شعريتين اعتبرهما البعض وأنا منهم أنهما غاية في الرقة والحرارة، بعد كل هذا تقودني ثقافتي الى المصارعة حيث الركل والرفس واللكم. أتساءل أحياناً هل الركل والرفس يشكلان جواباً عن أسئلتي التي كنت أطرحها على مدى ثلاثين عاماً؟ هل فيها الحل المنشود للمعضلات التي أرقتني وأرقت جيلي وماقبله ومايليه؟ حتى صرت أحفظ أسماء المصارعين أكثر من الكتاب والشعراء من جون سينا وأندر تيغر وماك هنري وبيك شو وجيف هاردي وغيرهم، وأحياناً أخطئ وأقول: ياعيني عليك ياابن سينا ماأقوى رجلك.!
أنا أراهن بأني لست محبطاً ولا يائساً ،والدليل أنه ورغم سنواتي التي تناهز الخمسين مستعد لأن أدخل نادياً للمصارعة لأتعلم بعض الفنيات وأقوي عضلاتي ورجليّ وأتدرب على لغة ومفردات قد أستطيع من خلالها فك بعض الطلاسم والرُقم الأثرية التي تعود إلى عصرنا هذا.
أحياناً تخطف جوزتي جهاز الريموت وتضع على فيلم ، ثمة محطات تبث الأفلام الغربية على مدار الساعة . فأنصاع كما ينصاع كل الرجال حين تعبس بهم جوزاتهم وأتابع الفيلم معها، ليس كل الأفلام الأمريكية والغربية ترسخ مبدأ القوة والتدمير والقتل ، ثمة أفلام رائعة بقيمها وأفكارها وحبكتها وإثارتها ونهاياتها وحلولها ، وثمة أفلام حققت أكثر من ملياري دولار كإيرادات أي ثلث الميزانية السورية . تساءلت وقلت: مخرجان وكاتبان كهؤلاء يعادلان كل الاقتصاد السوري بشركاته وموظفيه ومنظريه ومسؤوليه وتصريحاتهم التي تبيع الأحلام والأرقام.
أمن القليل أن العقلية الأمريكية اعتبرت السينما أهم أدواتها لنشر ثقافتها وقيمها ونمط التفكير الأمريكي ومن ثم الايرادات؟ ونحن ننتج فيلمين في السنة بعشرة ملايين ليرة ونقيم لهما مهرجاناً سنوياً بخمسين مليون ليرة .بدلاً من أن نستخدم الخمسين مليون لانتاج عشرة أفلام ، وهذه الأفلام تصبح بحد ذاتها مهرجاناً ، لكن ثقافة البهرجة والمهرجانات صارت مكوّناً أساسياً في تفكيرنا .
منذ أشهر كنت أدردش على الهاتف مع فناننا الكبير الأستاذ دريد لحام عن السينما ، ربما لم يشأ أن يلوم أحداً ،لكن قلت له: الفيلم هو الذي يصنع الجمهور وضربت مثلاً أن شاعراً مثل محمود درويش يقيمون له الأمسية في ملعب كرة قدم وتغص المدرجات ، بينما شاعر آخر في صالة المركز الثقافي ولا يحضرله سوى زوجته وأولاده وبعض ممن أحرجهم ودعاهم ، واختصرت المشكلة بطرفة بذيئة لامجال لذكرها.
وأتابع الفيلم مع جوزتي وأستغل فترة الاعلان لأنقل على المصارعة وإذ بجوزتي ترفع قبضتها في وجهي وتتخذ وضعية الهجوم، وطفلتنا الصغيرة تضع يدها على الأرض وتبدأ بالعد 1-2-3.